إذا قام الإمام إلى الخامسة ساهياً فهل نتابعه أم لا؟

 

** السؤال كامل

السائل: جزاك الله خيراً. طيب في شيخ الإسلام بن تيميَّة رحمه الله أفتى في مجموع الفتاوى أن الإمام إذا قام للركعة الخامسة أن المأمومين لا يتبعونه، فهل هذا معارض لحديث بن مسعود في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلّم صلى الظهر خمساً؟

* جواب السؤال

الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: لا أشك في ذلك، ونحن نعرف أن هذا الرأي يفتي به كثير من العلماء نحن نتمنى أن نسمع دليلاً لهذا الرأي حتى نقيم له وزنا، ولكن فيما علمت لم نجد له دليلا، بل وجدنا العكس وهو ما أشرت إليه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، ومع ذلك فأنا أعلم بعض القائلين بذاك الرأي يتأولون حديث بن مسعود ولعله من المناسب أن نذكر الحاضرين بحديث بن مسعود حتى يتبين لهم الموضوع لأن السؤال كان مجمل. حديث بن مسعود كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم صلى ذات يوم بأصحابه الظهر فصلى بهم خمسا ولما سلَّم قالوا يا رسول الله أزيد في الصلاة؟ قال: «لا» قالوا: صليت خمسا، فسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم سجدتي السهو ثم سلّم، ثم قال عليه الصلاة والسلام: «إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني». انتهت القصة إلى هنا. والذين يقولون بأن الإمام إذا قام إلى الخامسة لا يتابع يقولون إن هذه الحادثة كانت في وقت لم يتم فيه التشريع بعد، ونحن نقول جواباً عن هذا الإشكال أو هذا الجواب، نقول لو أن الأمر كان كذلك لبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم حكم هذه المسألة إذا ما وقعت بعد تمام التشريع أي بعد نزول قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[المائدة:3]. أما والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم قد مات وارتفع إلى الرفيق الأعلى دون أن يأتي بشيء جديد يعدِّل ما فعل أصحابه معه عليه الصلاة والسلام، فالجواب الذي حكيناه آنفاً عن أولئك الناس مردود مرفوض وبخاصة أنه يوجد لدينا دليل عام يأمرنا فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم أن نتابع الأمام متابعة تامة كاملة ولا علينا بعد ذلك أصاب أم أخطأ ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «إنما جعل الإمام ليؤتم به»، وفي رواية أخرى: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه» والحديث تمامه معروف: «فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا صلى قاعدا [أو جالساً] فصلوا قعوداً [أو جلوساً] أجمعين». فنحن نلاحظ في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم جعل من تمام الإئتمام بالإمام أن يدع المؤتم ما يجب عليه أصلاً أن يتحقق به وإلا كانت صلاته باطلة، ألا وهو القيام بالنسبة للمستطيع للقيام فوجدنا الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الصحيح قد أسقط هذا الركن عن المستطيع له لا لشيء إلا تحقيقاً لتمام القدوة منه بإمامه وعدم التظاهر عليه بمخالفته. وإذ الأمر كذلك فنحن نأخذ من هذا تنبيهاً عظيما جداً أنه إذا قام الإمام ساهياً إلى الركعة الخامسة فلماذا نقول لا نتابعه؟! لأنهم يرجعون إلى الأصل وهو أن من قام إلى الخامسة وهو ذاكر فقد بطلت صلاته ذلك لأن كما يقولون في بعض البلاد: (الزايد أخو الناقص) فمن صلى المغرب ركعتين عامداً فصلاته باطلة ومن صلى الصبح ثلاثة عامداً فصلاته باطلة ومن صلى الرباعية خمساً فأيضاً صلاته باطلة فهم يقولون إذا قام الإمام ساهياً إلى الخامسة والمقتدي ذاكر فلا ينبغي أن يتابعه. نحن نقول لا، بل عليه أن يتابعه بعد أن يذكره وأن يفتح عليه كما هو السنّة فإذا لم يتبين الإمام أنه في الخامسة فهو بطبيعة الحال لا يرجع فينبغي علينا أ ن نتابعه كما تابعناه فيما هو ترك منا لركن من أركان الصلاة، وترك ركن من أركان الصلاة مبطل للصلاة، والقيام للخامسة عمداً أيضاً مبطل للصلاة ولكن الذي رفع الإبطال في القضية [أو الصورة] الأولى هو الذي يرفع الإبطال أيضاً في القضية الأخرى، ولذلك فمع احترامنا وتقديرنا لإمامنا شيخ الإسلام ابن تيميَّة لكننا نقول بصراحة أننا لسنا تيميين ولو أردنا أن نكون تيميين أنا شخصياً لكنت من الحنفيين خاصة أن آبائي وأجدادي كذلك كانوا مذهبيين، ولكننا لما نبهنا بفضل السنة على أنه لا يجب بل لا يجوز للمسلم أن يؤثر قول أحد على ما جاء في الكتاب والسنة لذلك ندع رأي ابن تيميَّة له، معتقدين أنه مأجور على كل حال، لكن لا يجوز لنا بأي حال أن نقلده وأن نعرض عن الأدلة الشرعية التي لفتنا النظر آنفاً إلي بعضها. هذا ما عندي وشكر الله لك. السائل: الله يبارك فيك، بالنسبة يا شيخنا لمتابعة الإمام بالمناسبة معروف طبعاً لنا جميعاً رأيكم في المسألة لكن هناك بعض الناس قال:الشيخ الألباني مع قوله بوجوب متابعة الإمام حتى إذا سدل في الصلاة (ترك يديه في الصلاة)، هو لا يقبض بعد القيام من الركوع الثاني خلف الذي يقبض، فكان المفروض يتابع الإمام لو طرّد المسألة فما رأيكم، يعني لا تأخذني أنا أنقل. الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: لا، لا، هذا قد قاله قبلك ناس كثيرون، وجوابي على ذلك: أنا مثلاً إذا صليت وراء مثلاً ابن باز أقبض لكن إذا صليت وراء هؤلاء الناس الذين لا فقه عندهم ولا مذهب لديهم فألتزم السنة وقولي هذا بوجوب إتباع الإمام يعرفه إخواننا الملازمون لنا، أن هذا القول ليس على إطلاقه عندي، وأنا أقول مثلاً يجب متابعة الإمام الحنفي مثلاً حينما لا يرفع يديه لأنه يقلد إمام مسَلَّم بإمامته لدى جماهير المسلمين منذ أن كان إلى هذا الزمان لكننا إذا ما تيسر لنا بيان السنّة لهذا الإمام وتبيّن لنا أننا قد أقمنا الحجة عليه ثم أصر على إيثار التقليد على السنّة فلا متابعة منا له. وكذلك نقول بعض الشافعية مثلاً يصلون ولا يرفعون أيديهم فنحن نخالف هذا الإمام لأن مناط المتابعة في فهمي للموضوع، أنني لو صليت وراء أبي حنيفة فأنا أقدر رأيه واجتهاده فأفعل فعله وكذلك أقدر من يتبعه لأنه يتبع إمام أما من خالف إمامه كسلاً، جهلاً مسايرة للناس كما هو في المثال الثاني. شافعي المذهب لا يرفع يده فأنا أرفع يدي لماذا؟ لأنه يخالف السنّة أولاً ويخالف إمامه ثانياً، والمسألة بالنسبة للإمام الحنفي على العكس من ذلك فأنا إذا اقتديت بإمام لا أعرفه ولا مناقشة بيني وبينه وأجده لا يرفع يديه بناء على مذهبه أي على إتباعه لإمامه فلا فرق عندي حينئذ صليت وراء الإمام أو تلميذ الإمام مباشرة أو إلى أخر تلميذ هو اليوم على ذاك المذهب، الشاهد من هذا التفصيل هو أننا لا نقول بإطلاق بوجوب متابعة الإمام وإنما فيها تفصيل فإذا اقتديت وراء إمام له رأيه له اجتهاده فأنا حينئذ أعمد القاعدة، أما إذا اقتديت بإنسان وجدته فيما عندي من فهم للقاعدة أنه قد خرج عنها فأنا أظل متابعاً للسنة ولا أتابعه هو على خطأه. لعل في هذا التفصيل تقييداً لذلك الإطلاق الذي على أساسه ورد الإشكال. السائل: لكن شيخنا بالنسبة للسدل يعنى هذا لا أصل له في السنة، يعنى ترك اليدين في الوقوف لا أصل له في السنة، وبعدين علماء المالكية ضعفوا رواية بن القاسم عن الإمام مالك في ترك اليدين في حال القيام، إذا هذا القول يعني ليس له دليل عن إمام المذهب، واستنكره أكابر علماء المالكية. الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: هذه مسالة جانبية عن الموضوع. السائل: لا، يعني لو صليت أنا خلف إمام يزعم أنه مالكي وترك يديه، فهذا لا إمام قلد ولا سنة اتبع، فماذا أفعل خلفه اترك يدي؟ الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: لا، أنت تقبض لما يكون رأيك هكذا لكن لما يكون المسألة مثلاً ليس كذلك كما ضربنا مثلاً في رفع اليدين المسألة فيها تفصيل كما ذكرناه آنفاً. نعم.