تتمة الكلام حول الأصل الذي أصَّله جماعة التبليغ

 
** السؤال كامل
تتمة الكلام حول الأصل الذي أصَّله جماعة التبليغ في عدم الكلام في الفقه والسياسة والخلاف والجماعات عند الخروج في الدعوة إلى الله
* جواب السؤال

الشيخ : فهل المسلمون اليوم كل المسلمين الذين يعدون كم مليون؟، ألف مليون أو يزيدون، هل الألف مليون كلهم يقولون: أشهد أن لا إله إلا الله؟ يمكن يكون منهم الدروز ، هل هؤلاء اتفقوا على فهم هذه الكلمة فهماً صحيحاً ينجيهم من الخلود في النار يوم القيامة؟. الجواب: مع الأسف الشديد لم يتفقوا، ولذلك هم لما قالوا هذه الكلمة يعنون ما يقولون؛ لأننا إذا دخلنا في موضوع: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد:19] فرقنا الصفوف، ونحن جماعة جمع، ولسنا جماعة تفريق، هذا لسان حالهم ولسان قالهم. أما نحن معشر السلف فنقولها صراحة، ولكن قبل أن نقولها ندعم مذهبنا بما كان عليه رسول الله ، فنحن مفرقون نفرق بين الحق والباطل، بين المحقين وبين المبطلين، ولا نسوِّي بين المحقين والمبطلين كما يفعل غيرنا من الآخرين. لما كنت في دمشق كان هناك رسالة ألفها أحد شيوخ الطريقة الشاذلية، وأصله مغربي، عنوان الرسالة: لا إله إلا الله، ما في أجمل من هذا ، وتدخل في الداخل: لا إله إلا الله، أي: لا رب إلا الله، هكذا فسر الآية الكريمة، ولو أن كافراً قال: لا إله إلا الله بهذا المعنى الذي شرحه هذا الشاذلي ما أفاده شيئاً لا في الدنيا ولا في الأخرى، لماذا؟ لأن المشركين كانوا يقولون: لا رب إلا الله، لكنهم إذا قيل لهم: لا إله إلا الله يستكبرون، إذاً هم بعروبتهم الأصيلة كانوا يعرفون معنى كلمة التوحيد على الوجه الصحيح، ولكنهم معرفتهم هذه لم تغنهم شيئاً؛ لأنهم كفروا بهذا المعنى الصحيح، وعلى العكس من ذلك؛ فبعض المسلمين حينما يقولون: لا إله إلا الله، المشركون لا يقولون: لا إله إلا الله؛ لأنهم إذا قالوا: لا إله إلا الله، نافقوا وهم يريدون أن يعلنوا، فهم يعلمون معنى (لا إله إلا الله) لذلك لا يقولون. المسلمون لا يعلمون معنى: (لا إله إلا الله) إلا القليل منهم، ولذلك هم يقولون كلهم: لا إله إلا الله، لكن إذا أردت أن تبين لهم أن ما تفعلونه من الإتيان إلى الأولياء والصالحين، والذبح عندهم، والنذر لهم، والحلف بهم، والصلاة عند مقابرهم .. إلخ، فهذا كفر بلا إله إلا الله؛ لأن معنى (لا إله إلا الله) ليس هو ذاك المعنى الذي ذكرناه عن الشاذلي: لا رب إلا الله، وإنما معناه: لا معبود بحق في الوجود إلا الله تبارك وتعالى، وحينما يفهم المسلم كلمة الشهادة هذه الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله) فهماً صحيحاً؛ فيجب أن يطبقه تطبيقاً صحيحاً كما فهمه فهماً صحيحاً، ومن هنا يظهر الفرق بين الذين يؤمنون بلا إله إلا الله بالمفهوم الصحيح، وبين الذين يؤمنون بلا إله إلا الله بالمفهوم غير الصحيح، تختلف تصرفاتهم في هذه الحياة. لن تجد مؤمناً بهذه الكلمة الطيبة على المعنى الصحيح يذبح لغير الله، وينذر لغير الله، ويحلف بغير الله، ويصلي لغير الله عند قبور الأولياء والصالحين، لن تجد عند هؤلاء شيئاً من ذلك، بينما الآخرون الله أكبر!! اذهبوا عند من يسمى بسيدي شعيب، وشوف النذور هناك! ومن نذر لغير الله فهو ملعون، كما قال عليه السلام:« من ذبح لغير الله فهو ملعون »، كيف ملعون وهو بيقول: لا إله إلا الله؟! لم يفهم لا إله إلا الله. ولذلك فالدعوة إلى الإسلام بصورة غير مفهومة للأنام، هذه ليست دعوة الإسلام، وإنما هي دعوة إلى جانب من جوانب الإسلام. وخير لهؤلاء الإخوان الطيبين من جماعة التبليغ شيئان اثنان: الأول: هو ننصحهم دائماً أن يتفرغوا لطلب العلم ولا يتفرغوا للدعوة؛ لأن للدعوة رجالاً، وقد قلت لهم هناك وفي كل مكان: هل تعلمون أن النبي  أرسل بالعشرات والعشرينات دعوة إلى المشركين، أو أرسل أفراداً من نخبة الصحابة كـ علي بن أبي طالب ، و معاذ بن جبل ، و أبي موسى الأشعري ، و دحية الكلبي ، هؤلاء الدعاة هم الذي كان الرسول عليه السلام يرسلهم، ومرة واحدة وقعت أن أرسل سبعين من قراء الصحابة، وبهذه المناسبة يجب أن تعلموا أن معنى قراء الصحابة هم علماؤهم؛ لأننا لا نتصور يومئذ قارئاً كقرائنا اليوم يحسنون القراءة والترتيل والتجويد، لكن لا يفقهون ما يقرءون من القرآن شيئاً، الصحابة لم يكونوا هكذا. فذهبوا إلى قبيلة مشركة، وطلبوا منهم أن ينزلوا ليدعوا إلى الله عز وجل، فأعطوهم الأمان ثم غدروا بهم فقتلوهم، سبعين من قراء أصحاب الرسول عليه السلام، ولما بلغه خبر قتلهم قال أنس بن مالك : " فما رأيت رسول الله  وجد على ناس كما وجد على هؤلاء القراء! فكان يدعو عليهم ويقول في صلاة الفجر وغيرها:« اللهم العن رعلاً وذكوان »". وقبائل أخرى سماها عليه السلام؛ لأنهم قتلوا هؤلاء الصحابة من القراء الكرام. هكذا كان رسول الله عليه السلام يرسل علماء، فما بال هؤلاء المسئولين من جماعة التبليغ ورئيسهم هناك في باكستان أو في الهند يرسل ناس لا علم عندهم؛ لأنه لو كان عندهم علم لعلموا أنه يجب أن يقتدوا بالرسول عليه السلام، وماذا فعل الرسول؟ إلى ماذا دعا الرسول حينما أنزل عليه قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾ [المدثر:1-3] ؟ دعا كما دعت الرسل من قبل أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت، فما لهؤلاء الناس لا يدعون إلى ما دعا الرسول عليه السلام، وإلى ما دعا إليه الصحابة الكرام بتعليم الرسول عليه الصلاة والسلام؟ جاء في الصحيحين أن النبي  لما أرسل معاذاً إلى اليمن ماذا قال له؟ قال:« ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله »، ليكن أول ما تدعوهم إليه لا إله إلا الله، فهؤلاء جميعاً من كل الجماعات التي ذكرناها آنفاً، من الإخوان المسلمين ، من حزب التحرير ، من جماعة التبليغ ، لا يكون أول ما يدعون إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وهذا له سبب سبق أن ذكرته وأجمله الآن: أولاً: لظنهم أن المسلمين ليسوا بحاجة؛ لأن كل المسلمين بيقولوا: لا إله إلا الله، إذاًَ ندعوهم إلى ماذا؟! هذا اسمه: تحصيل حاصل، لكن الواقع أن المقصود: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله أول ما تدعوهم؛ لأنهم كانوا عرباً، ولذلك -كما شرحت آنفاً- كانوا إذا قيل: لا إله إلا الله يستكبرون؛ لأنهم يفهمون أن معنى: لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله، أما الرب فما كانوا ينكرونه: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ [لقمان:25]، اليوم المسلمون لا يفهمون شهادة التوحيد كما فهمها العرب، لكن هم يؤمنون بلفظها ويكفرون بمعناها، فلماذا لا تشتغل هذه الجماعات بدعوة المسلمين إلى التوحيد الصحيح؟ السبب: أنهم لا يعلمون واقع المسلمين اليوم أنهم منحرفون عن التوحيد الصحيح. السبب الثاني: وهو أهم بالنسبة إليهم، هم أنفسهم لا يعلمون حقيقة معنى - لا إله إلا الله - ولذلك لا يدعون الناس إلى معنى - لا إله إلا الله - كما أنهم لا يدعون الناس إلى أن يشهدوا أن محمداً رسول الله، لماذا؟ لنفس السببين: السبب الأول: أنهم يشهدون أن محمداً رسول الله، وأنا أعتقد أنهم كذلك، لكن يخالفون هذه الشهادة؛ لأنه يلزم من التصديق بأن محمداً رسول الله ألا يتقدم المسلمون بين يدي رسول الله برأي باجتهاد بنظام بـ.. بـ... إلخ، وهذا مع الأسف موجود وواقع، وأوضح مثال قضية الاستحسان، الاستحسان في بعض المذاهب قيل بأنه دليل شرعي، وفي المجتمع الإسلامي هو قائم على قدم؛ لأنهم يقولون: هذه بدعة حسنة، وماذا فيها يا أخي! إلخ. أيضاً: يجب على الدعاة الإسلاميين أن يبدءوا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بياناً وشرحاً وليس لفظاً فقط. إذاً: لا يجوز نحن أن نقول بأننا ندع الفقهيات وندع الخلافيات؛ لأن معنى ذلك: أن ندع الدعوة إلى شهادة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. أيضاً: لا ينقدون الجماعات الإسلامية أنا سلفي وأنت خلفي، لا تنتقدني لماذا؟ لأني على حق أم على باطل؟ لا. هذا يفرق، إيش الفائدة إذاً من دعوتك إذا تركتني في ضلالي؟ وإيش الفائدة من دعوتي إذا تركتك في ضلالك؟ وهكذا يجب أن نقول كلمة الحق، ولم يقرؤوا في كتاب حياة الصحابة أن النبي  أوصى أبا ذر بعدة وصايا ومنها: ( ألا تأخذه في الله لومة لائم )، وين هذا، هذه فقرة هذه وصية من وصايا الرسول عليه السلام لـ أبي ذر ، فيجب إذاً أن نتعلم وأن نعمل بما نعلم، والإعراض عن التمسك بهذه الفقرات الأربع معناها: إعراض عن التمسك بالإسلام الذي جاء به عليه الصلاة والسلام.