رأيك في هذا الأصل عند جماعة التبليغ : لا نتكلم عند الخروج على أربعة أشياء

 

** السؤال كامل

السؤال الذي سألناه في الأول كان متعلقاً بمسألة واحدة، فجزاكم الله خيراً، أوعبتم القول في كثير من المسائل المتعلقة بـ جماعة التبليغ ، ولكن هنا بعض مسائل أخرى قد تتعلق بجوانب أخرى نريد الإجابة عنها ولو بشكل مختصر بعد ذلك التفصيل بارك الله فيكم: يقول السائل: ما رأيكم بأصل من أصول جماعة التبليغ ، وهو أنهم يقولون: لا نتكلم في أربعة أشياء أثناء الخروج، لما يترتب على الكلام في هذه الأشياء من المفاسد، وهي: السياسات، والفقهيات، والخلافيات، والجماعات؟.

* جواب السؤال

الشيخ : نسأل الله لنا ولهم الهداية! السياسات نحن نوافقهم على هذا الشيء الأول، ولكن ليس على الإطلاق، نحن نرى كما حكيت هذا أكثر من مرة، لقد امْتُحنا هناك في سوريا ، واستُنْطِقنا هناك من المخابرات، كما يفعلون -مع الأسف- في كل بلاد الإسلامية: أنت تشكل تجمعاً وتكتلاً ونحو ذلك، وأنا أقول: أنا تكتلي هذا للإصلاح وليس للسياسة، بعد مناقشة طويلة جداً ربما تجاوزت ساعة، ولما لم يجد المستنطق هذا البعثي مجالاً لأن يأخذ علي شيئاً من الناحية القانونية، قال: إذاً اذهب وابق على دروسك، ولكن لا تتكلم في السياسة، مع أني قلت له بتفصيل: نحن دعوتنا دعوة إصلاحية، الرجوع إلى الكتاب والسنة كما تسمعون دائماً وأبداً، قلت أنا ذكرت لك آنفاً شيئاً من التفصيل، لكن رجوعك الآن للقول: لكن لا تشتغل بالسياسة، يدفعني أن أبين لك شيئاً، نحن صحيح لا نشتغل بالسياسة؛ ولكن ليس هذا لأن الاشتغال بالسياسة ليس من الإسلام، لا. فالسياسة من الإسلام، وبعض علماء الإسلام ألفوا في السياسة الشرعية قديماً وحديثاً، وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، فالدولة الإسلامية لا تستغني عن السياسة، وما معنى السياسة؟ أي: سياسة الناس وتثبيت أمورهم على ما يوافق مصالحهم في الدنيا والأخرى، فنحن لا ننكر وجوب الاشتغال بالسياسة، لكننا رأينا -وهنا الشاهد- أن من السياسة ترك السياسة، رأينا في هذا الزمان من السياسة ترك السياسة، والغرض الآن أننا نوافق الجماعة على عدم الاشتغال بالسياسة وقتياً، لكن لا يمكن الاستغناء عنها، وإلا كيف يمكن إقامة الدولة المسلمة إلا بمثل هذه السياسة، لكن الذين ينبغي أن يشتغلوا بالسياسة يجب أن يكونوا علماء، أن يكونوا فقهاء، أن يكونوا علماء بالمعنى الصحيح بالكتاب والسنة وبفهم السلف الصالح إلخ، ولذلك نحن نوافقهم على هذا الشرط الأول، ولا نوافقهم، نوافقهم هكذا إجمالاً، ولا نوافقهم تفصيلاً، فنقول الآن: من السياسة ترك السياسة. أما الفقرة الثانية فلسنا نوافقهم عليها، وهي الفقهيات، كيف هذا؟ كيف يتصور في جماعة أولاً يسمون أنفسهم جماعة التبليغ ، ماذا يريدون أن يبلغوا الناس؟ إما أن يبلغوا العقيدة وهم مع الأسف لا يفعلون، وما أدري هذا لماذا لا يذكرونه؛ ولعلهم يعنون بالفقهيات ما هو أعم وأشمل. إلى ماذا يدعون هم إذاً؟ أنا لا أريد أن أقول: إنهم يدعون إلى ما يمكن أن يدعو إليه كل طائفة متدينة على وجه الأرض، مهما كان نوع دينها، إلا اليهود، فأنتم تعلمون -مثلاً- أن جماعة التبشير من النصارى هم يدعون إلى الوصايا العشر: لا تسرق، لا تزن، لا تكذب إلخ، أيضاً هذه الأشياء يدعو إليها الإسلام، فإذا كان الجماعة لا يريدون أن يبحثوا في السياسة قلنا لهم: لا بأس مؤقتاً، لكن في الفقهيات يقول رسول الله:« من يرد الله به خيراً يفقه في الدين ». أنا أعتقد جازماً أن هذه الفقرة سبب وضعها هو نفس السبب الذي يحملهم على ترك خطبة الحاجة، ولعلكم لم تنسوا بعد ما هو السبب؟ هل لأنهم لا يؤمنون بقوله عليه الصلاة والسلام : « كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار »؟ هذه القاعدة التي أسسها الرسول عليه السلام كما ذكرنا لكم آنفاً، ولذلك فإنهم لا يعرجون على هذه السنة المتروكة ولا يحيونها، كذلك لماذا أعرضوا عن الفقهيات؟ لأنهم لا فقه عندهم؛ لأن الفقه كما قال ابن القيم رحمه الله: العلم قال الله قال رسوله ***** قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ****** بين الرسول وبين رأي فقيه كلا ولا جحد الصفات ونفيها ****** حذراً من التعطيل والتشويه فهم لا يبحثون في الفقهيات بزعم أنه يثير الخلاف، لا ؛ هذا زعم يتسترون خلفه، والحقيقة أنهم لا يحسنون الفقه، كل واحد كما يقولون عندنا في الشام : جماعة التبليغ مثل الإخوان المسلمين ، مثل حزب التحرير ، لا فرق بينهم في نقطة واحدة، وهي: جماعة الإخوان المسلمين يجمعون بين السلفي والصوفي بين الحنفي والشافعي، والمالكي والحنبلي، وفي بعض الظروف بين السني وبين الشيعي، هكذا السياسة تقتضي. حزب التحرير كذلك لا يهمهم، حتى لقد صرحوا أن من منهجهم أنهم لا يتبنون رأياً في العقيدة، هذا من حسناتهم، لكنها في نفسها سيئة، أما جماعة التبليغ فلم يصرحوا بهذا، لكن واقعهم أنهم لا يتبنون رأياً في العقيدة، كما أنهم من باب أولى لا يتبنون رأياً في الفقه، لماذا؟ لأن الفقه أُلف هناك من جماعة الأزهر الشريف كتاب اسمه: الفقه على المذاهب الأربعة ، إذا أردت أن تضيع في غمرة الخلاف بين المذاهب الأربعة فاقرأ هذا الكتاب، حينئذ لا تخرج منه إلا وأنت مدوخ، لا تعرف إلى أي قول تذهب إليه وتتمسك به، كذلك دكاترة الجامعات اليوم يدرسون الفقه الذي يسمونه بالفقه المقارن على طريقة الفقه على المذاهب الأربعة، يقول لك: أبو حنيفة قال كذا وحجته كذا، و الشافعي قال كذا، وحجته كذا إلخ، وبعدين أين الحق الذي قال الله عز وجل فيه: ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ ﴾ [يونس:32]؟ ما المسئول عنها بأعلم من السائل! فإذاً الذين لا يشتغلون بالفقهيات ليس السبب أنه يوقع الخلاف؛ لأن الرسول  الذي هو سيد البشر قاطبة، وأرجو أن تسمعوا هذا وتحفظوه، من أسمائه: الفارق أو المفرق، كالقرآن، القرآن من أسمائه الفرقان، لماذا رسول الله مفرق؟ فرق بدعوته بين المؤمن والكافر، وكان من نتائج ذلك أن فرَّق بين الوالد وولده، هذا كافر مشرك وهذا مؤمن مسلم، إذاً لماذا نحن نخاف أن نفرق؟ نخاف أن نفرق بالباطل، ولا ينبغي أن نخاف أن نفرق بالحق؛ لأن ربنا يقول: ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ ﴾ [يونس:32]. لكن الحقيقة أنهم لا يعرفون الحق من الباطل، لا يعرفون الصواب من الخطأ، ولذلك تمثلوا بالمثل العامي: (الهريبي نصف الشجاعة) المقصود فهم عرفوا أنهم كما يقال أيضاً: (ليسوا حشو الكبدة) يأتون ويقولون مثلاً: قال أبو حنيفة : خروج الدم مهما قل فهو ناقض للوضوء، والإمام الشافعي يقول: مهما كثر فهو غير ناقض للوضوء، والإمام أحمد يقول، و مالك معه أيضا من قبل: إن كان كثيراً نقض وإلا فلا ينقض، ماذا يريدون من هذه الدوشة؟ هذا الأمر يحتاج إلى اطلاع على أدلة المذاهب أولاًَ، ثم إجراء معادلة ومراجحة بين هذه الأدلة ثانياً، وهذا يتطلب -إضافة على وجوب معرفة أقوال الفقهاء- أن يعرف علم الحديث في مصطلحه، وعلم الجرح والتعديل في توثيقه وتجريحه، وهذا أكثر الدكاترة، ليس العامة من جماعة التبليغ وأمثالهم الذين يخرجون للدعوة وأمثالهم، هؤلاء لا يستطيعون، لكني كنت أستحسن منهم أن يقولوا كما يقولون، بالأمس القريب -كما ذكرنا لكم- كنا في مأدبة ، وتكلمنا حول جماعات منها جماعة التبليغ فقال لي أحدهم ممن نحسن الظن به -لأنني حضضتهم على العلم- قال: لذلك مشايخنا يقولون لنا: اذهبوا إلى العلماء، فقلت لهم: نحن نريد أن تكونوا أنتم العلماء، أنتم الذين تهتمون بدعوة الأمة، ليس أنتم تذهبون إلى العلماء ثم تخرجون ولستم علماء. إذاً: تركهم الفقهيات لأنها تفرق، أنا أقولها صراحة وأرجو عدم المؤاخذة؛ لأن الحق أحق أن يقال: هذا عذر أقبح من ذنب، لماذا؟ لأنه أولاً: لا يعبر عن السبب الحقيقي، ولأنه ثانياً: لابد من التفريق بين الحق والباطل، بين الصواب والخطأ، وبخاصة ما كان من ذلك متعلقاً بالعقيدة، وهم كما تسمعون -كما في الفقرة الثانية- يعدونها خلافيات هل هناك خلاف في التوحيد؟ كثير من الدكاترة بيقولوا: ما فيه خلاف يا أخي، كل المسلمين بيقولوا: أشهد أن لا إله إلا الله، صح، ولكن القول شيء والفهم والإيمان شيء آخر، الكافر حينما تقوم قائمة الدولة المسلمة إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، خلص رأسه من قطع عن بدنه، لكن هل نجا بذلك من الخلود في النار؟. الجواب: الشرط الأول: إن فهم المعنى الصحيح لهذه الكلمة أولاً، ثم آمن بهذا الفهم الصحيح ثانياً؛ نجا من الخلود في النار يوم القيامة. أما إذا لم يفهم فهو بالتالي لم يؤمن؛ لأننا لا نتصور إيمانا غير مقرون بالفهم الصحيح. فهل المسلمون اليوم كل المسلمين الذين يعدون كم مليون؟، ألف مليون أو يزيدون، هل الألف مليون كلهم يقولون: أشهد أن لا إله إلا الله؟ يمكن يكون منهم الدروز ، هل هؤلاء اتفقوا على فهم هذه الكلمة فهماً صحيحاً ينجيهم من الخلود في النار يوم القيامة؟.