محاضرة كاملة عن اتباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح

 

محاضرة كاملة عن اتباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح

المـقـدم : بسـم الله الـرحمن الرحيم ، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه ، و بعد , فإن الله تـعالى ، قد من علينا بنعمة الإيمان ، ومنَّ على الأمة بعلماء هم الذين أكرمهم الله تعالى بما أعطاهم من علم لِيُنيروا للناس السبيل إلى الله وإلى عبادة الله عز وجل ، وهم ورثة الأنبياء بلا ريب ، ومجيئنا كان دافعه وسيـبقى إن شاء الله ، مرضاة الله عز وجل أولاً ، وطلب العلم الذي يوصل إلى ذلك إن شاء الله ، وواللهِ إنـها لساعة طيـبة أن نلتقي بشيخنا وبعالمنا وبأستاذنا الكبـير الشيـخ محمد نـاصر الديـن الألبانـي ، باسم أهالي الحي أولاً - حي شُويكَة - نرحب أجمل ترحيب بشيخنا الفاضل ، وباسم أهالي المَفْرَقْ – وعلى وجه الخصوص طلبة العلم فيها - يرحبون أيضاً جميعاً وهم على شوقٍ كانوا في أن يلتقوا اليوم مع أستاذنا الكريم ، ولا ضير فكلنا شوق إلى سماع ما عنده من دُرَرِ العلم ومن الحكمة إن شاء الله ، فلنستمع إليه فيما مَنَّ الله تعالى عليه من علمه ، ثم بعد أن يكتفيْ ، أو أن يكتفيَ شيخنا ، فإن باب السؤال سيفتح ، على أن يكون السؤال مكتوباً والوُرَيْقاتُ متوفرة إن شاء الله ، ساعة طيـبة أكرر ، وأهلاً بشيخنا الكريم

  الشيخ الألبـاني رحمه الله : أهلاً بكم ، إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستـغفره ، ونعـوذ بـالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل لـه ومن يضلل فلا هادي لـه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد ، فإن خير الكـلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وشر الأمور محدثاتـها وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار . أشكر الأخ الأستاذ / إبراهيم على كلمته، وعلى ثنائه ، وليس لي ما أقوله لقاء ذلك إلا الإقتداء بالخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، الذي كان الخليفة الحق والأول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومع ذلك فكان إذا سمع شخصاً يُثْني عليه خيراً - وأعتقد أن ذلك الـثـناء مهما كان صاحبه قد غلا فيه فما دام أنه خليفة رسول الله - فهو بحق ، ومع ذلك - الله المستعان - ، ومع ذلك كان يقول : اللهم لا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني خيراً مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون ، هذا يقوله الصديق الأكبر ، فماذا نقول نحن من بعده ؟ فأقول – إقتداءً به – : اللهم لا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني خيراً مما يظنون ، واغـفـر لي ما لا يعلمـون . الحَـقَّ – والحَـقَّ أقول – لَـسْتُ بذاك الموصوف الذي سمعتموه آنفاً من أخينا الفاضل إبراهيم ، وإنما أنا طالب علم ، لا شيء آخر ، وعلى كل طالبٍ أن يكون عند قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( بلغوا عني ولو آية ، بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو ) . على هذا – وتجاوباً مـع هـذا النص النـبوي الكـريم والنصوص الأخرى المتواردة والمتـتابعة في كتاب الله وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – نقوم بجهد من تبليغ الناس ما قد لا يعلمونه ، ولكن هذا لا يعني أننا أصبحنا عند حُسْنَ ظن إخواننا بنا ، ليس الأمر كذلك . الحقيقة التي أشعر بـها من قرارة نفسي أنني حينما أسمع مثل هذا الكلام أتذكر الـمثل القـديم المعروف عند الأدباء ، ألا وهو ( إن الـبُغاث بأرضنا يَسْتَنْسِرُ ) ، ( إن الـبُغاث بأرضنا يَسْـتَنْسِرُ ) ، قد يخفى على بعض الناس المقصود من هذا الكلام أو من هذا المثل ، البُغاث : هو طائر صغير لا قيمة لـه ، فيصبـح هذا الطـير الصغـير ، نسـراً عند الناس ، لجهلهـم بقـوة النسر وضخامتـه ، فصدق هذا المـثل على كثيرٍ ممن يـدْعُونَ بحق وبصواب ، أو بخطأٍ وباطلٍ إلى الإسلام . لكن الله يعلم أنه خَلَتِ الأرض – الأرض الإسلامية كلها – إلا من أفرادٍ قليلين جـداً جداً ممن يصح أن يقال فيهم : فلان عالم ، كما جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن الله لا ينـتزع العلم انْتِزاعا من صدور العلماء ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء حـتى إذا لم يـبقي عالماً – هذا هو الشاهد - حتى إذا لم يـبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهَّالاً فَسُئِلوا فأفـتوا بغير علمٍ فضلوا وأضـلوا ) . إذا أراد الله أن يقبض العلـم ، لا ينـتزعه انـتزاعاً من صدور العلماء ، بحيث أنه يصبح العالم كما لو كان لم يتعلم بالمرة ، لا ، ليسـت هذه من سنة الله عز وجل، في عباده ، وبخاصة عباده الصالحين - أن يَذْهَبَ من صدورهم بالعلم الذي اكتسبوه ، إرضاءً لوجه الله عز وجل - كما سمعتم آنفاً – كلمة ولو وجيزة من الأخ إبراهيم بارك الله فيه أن هذا الاجتماع إنما كان لطلب العلم ، فالله عز وجل حكمٌ عدلٌ لا ينـتزع العلم من صدور العلماء حقاً ، ولكنه جرت سنة الله عز وجل في خلقه ، أن يقبض العلم بقبض العلماء إليه ، كما فعل بسيد العلماء والأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى إذا لم يُـبْقِِ عالماً ، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً ، فَسُئِلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، ليس معنى هذا : أن الله عز وجل يُخْلي الأرض ، من عالمٍ تقوم به حجة الله على عباده، ولكن معنى هذا : أنه كلما تأخر الزمن كلما قَلَّ العلم ، وكلما تأخر ازداد قلةً ونقصاناً حتى لا يَـبْقى على وجه الأرض من يقول : الله ، الله . هذا الحديث تسمعونه مراراً – وهو حديث صحيح – : ( لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله ، الله ) ، ( من يقول : الله الله ) ، وكثيراً من أمثال هؤلاء المشار إليهم في آخر الحديث المذكور ، قَبْض الله العلـم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يـبقي عـالماً اتخـذ الناس رؤوسا جُهّالاً ، من هـؤلاء الـرّؤوس ، مــن يفـسر القـرآن والـسنـة بِـتَـفـاسـيـر مُخالفــة لما كان عليه العلماء – لا أقول : سلفاً فقط بل وخلفاً أيضاً – . فإنـهم يـحـتجون بـهـذا الحديث : ( الله ، الله ) على جواز بل على استحباب ذكر الله عز وجل باللفظ المفرد ( الله ، الله ) ... إلى آخره ، لكي لا يغتر مُغْتَر ما أو يـجهل جاهلٌ ما حينما يسمع هذا الحديث بمثل ذلك الـتأويل بـدا لي ولو عرضاً أن أُذَكِّرَ إخواننا الحاضرين بأن هذا التـفسير بـاطلٌ :- أولاً : من حيث أنه جاء بيانه في رواية أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وثانياً : لأن هذا التفسير لو كان صحيحاً لجرى عليه عمل سلفنا الصالح رضي الله عنهم ، فإذْ لم يفعلوا دل إعراضهم عن الفعل بهذا التفسير على بطلان هذا التفسير . فكيف بكم إذا انضم إلى هذا الرواية الأخرى - وهذا بيت القصيد كما يقال - أن الإمام أحمد رحمه الله روى هذا الحديث في مسنده بالسند الصحيح بلفظ : ( لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول : لا إله إلا الله ) إذن هذا هو المقصود بلفظة الجلالة المكرر ، المكررة في الرواية الأولى ، الشاهد : أن الأرض اليوم مع الأسف الشديد خَلَتْ من العلماء الذيـن كانوا يملئون الأرض الرحبة الواسعة بعلمهم وينشرونه بين صفوف أمتــهم فأصبحوا اليوم كما قيل : وقد كانوا إذا عدوا قليلاً ، فصاروا اليوم أقل من القليلِ فنحن نرجو من الله عز وجل أن يـجعلنا من طلاب العلم الذين يَنْـحَوْنَ منحى العلماء حقاً ويسلكون سبـيلهم صِدْقاً ، هذا ما نرجوه من الله عز وجل أن يـجعلنا من هؤلاء الطلاب السالكين ذلك المسلك الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( من سلك طريقاً يلتمس به علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة ) رواه مسلم . وهذا يفتح لي باب الكلام على هذا العلم ، الذي يُذْكَرُ في القرآن كـثيراً وكـثيراً جـداً ، كَمِثْلِ قوله تعالى :  هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون  وقوله عز وجل :  يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات  ما هو هذا العلم الذي أثنى الله عز وجل على أهله والمتلبـسين به وعلى من سلك سبيلهم ؟ الجواب – كما قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تلميذ شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله –: العلم قـال الله قال رسوله . قال الصحابة ليس بالـتَّمْويه . ما العلم نَصْبَكَ للخلاف سفاهة . بين الـرسول وبين رأي فقيه . كـلاّ ولا جَحْـد الصفات ونفيها . حذراً من التشبيه والتمثيل . فالعلم إذن نأخذ من هذه الكلمة ومن هذا الشعر الذي نادراً ما نسمعه في كلام الشعراء لأن شعر العلماء هو غير شعر الشعراء ، فهذا رجل عالم ، ويُحْسِنُ الشعر أيضاً ، فهو يقول : العلم : ( قال الله ) ، في المرتبة الأولى ، ( قال رسول الله ) في المرتبة الثانية ، ( قـال الصحابة ) في المرتبة الثالثة ، هنا سأجعل كلمتي في هذه الأمسية الطيـبة المباركة إن شاء الله ، كلمة ابن القيم هذه تُذَكِّرُنا بحقيقة هامة جداً جداً طالما غفل عنها جـمهور الدعـاة المنـتشـرين اليوم في الإسـلام باسـم الدعوة إلى الإسلام ، هذه الحقيقة ما هي ؟ المعروف لدى هؤلاء الدعاة جميعاً : أن الإسلام إنما هو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا حق لا ريب فيه ولـكـنـه نـاقـص هذا النقص هو الذي أشار إليه ابن القيم في شِعْرِهِ السابق فَذَكَرَ بعد الكتاب والسنة ، الصحابة ،العلم : قال الله قال رسوله قال الصحابة ... إلى آخره . الآن نادراً ما نسمع أحداً يَذْكُرُ مع الكتاب والسنة ، الصحابة ، وهم كما نعلم جميعاً رأس السلف الصالح الذين تواتر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( خير الناس قرنـي ) ولا تقولوا كما يقول الجماهير من الدعاة : خير القرون ، خير القرون ليـس لـه أصـل فـي السنة ، السنة الصحيحة في الصحيحين وغيرهما من مراجع الحديث والسنة مُطْبِقَة على رواية الحديث بلفظ : ( خير الناس قرنـي ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) . هؤلاء الصحابة الذين هم على رأس القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية ، ضَمَّهم الإمام ابن قيم الجوزية إلى الكتاب والسنة ، فهل كان هذا الضم منه رأياً واجتهاداً واستـنباطاً يمكن أن بتـعرض للخطأ ؟ لأن لكل جواد كَبْوَة ، إنْ لم نقل : بل كبوات . الجواب : لا ، هذا ليس من الاستـنباط ولا هو من الاجتهاد الذي يقبل احتمال أن يكون خطأً ، وإنما هو اعتماد على كتاب الله وعلى حديث رسول الله صلـى الله عليـه وآله وسلم ، أما الكتاب : فقول ربنا عز وجل في القرآن الكريم :  ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبـين لـه الـهدى ويَتَّبِــعْ غير سبيل المؤمنين  ،  ويَتَّبِع غير سبيل المؤمنين  لم يقتصر ربنا عز وجل في الآية - ولو فعل لكان حقاً - لم يقل : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين لـه الهدى نولـه ما تولى ) وإنما قال – لحكمة بالغة وهي التي نحن الآن في صدد بيانها وشرحها قال :  ويتبع غير سبيل المؤمنين  ،  ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين لـه الهدى ويَتَّبِعْ غير سبيل المؤمنين نولـه ما تولى ونُصْلِهِ جهنم وساءت مصيراً  هذه الآية أرجو أن تكون ثابتةً في ألبابكم وفي قلوبكم ولا تذهب عنكم ، لأنها الحق مثلما أنكم تنطقون وبذلك تنجون عن أن تـنحرفوا يميـناً أو يساراً وعن أن تكونوا ولو في جزئيـة واحـدة أو فـي مسألة واحدة من فرقة من الفرق الغير الناجية ، إن لم نقل : من الفرق الضالة ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قـال في الحـديـث المعروف وأقـتصر منـه الآن علـى الشـاهد منـه : ( وسَتَـفْتَرِقُ أمتي على ثلاثٍ وسبعين فِرْقَة كلها في النار إلا واحدة ) قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : ( هي الجماعة ) الجماعة : هي سبيل المؤمنين ، فالحديث إنْ لم يكـن وحيـاً مباشراً من الله على قلب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلا فهو اقتباس من الآية السابقة :  ويتبــع غير سبيل المؤمنين  إذا كان من يشاقق الرسول ويتبــع غير سبيل المؤمنين قد أُوْعِدَ بالنار ، فالعكس بالعكس : من اتبــع سبيل المؤمنين فهو مَوْعود بالجنة ولا شك ولا ريب ، إذن رسول الله لما أجـاب عن سؤال : ما هي الفرقة الناجية ؟ من هي ؟ قال : ( الجماعة ) ، إذن ، الجماعة : هي طائفة المسلمين ، ثم جـاءت الـرواية الأخرى تُؤَكِّدُ هذا المعـنى بل وتزيده إيضاحاً وبياناً ، حيث قال عليه السلام : ( هـي ما أنا عليه وأصحابي ) ، ( أصحابي ) إذن هي سبيل المؤمنين ، فحينما قال ابن القيم رحمـه الله في كلامه السابق ذِكْره ( والصحابة ) وأصحابه عليه السلام ، فإنما اقتبس ذلك من الآية السابقة ومن هذا الحديث ، كذلك الحديث المعروف حديث العرباض ابن سارية رضي الله تعالى عنه أيضاً أَقْـتَصِر منه الآن – حتى نُـفْسِحَ المجال لبعض الأسئلة– على مَوْضِع الشـاهـد منـه ، حيث قال عليه السلام : ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديـين من بعدي ) ، إذن ، هنا كالحديث الذي قبله وكالآية السابقة ، لـم يَقُلِ الرسـول عليه السلام : فعليكم بسنتي فقط ، وإنما أضاف أيضـاً إلى سُنَّـتِهِ : سنة الخلفاء الراشدين ، من هنا ، نحن نقول وبخاصة في هـذا الـزمان ، زمان تـضـاربت فيـه الآراء والأفكار والمذاهب وتكاثرت الأحزاب والجماعات حتى أصبح كثير من الشباب المسلم يعيش حـيران ، لا يدري إلى أي جـماعة ينـتسب ؟ فَهُنا يأتي الجواب في الآية وفي الحديثين المذكورين ، أتبعوا سبيل المؤمنين ، سبيل المؤمنين في العصر الحاضـر ؟ الجواب : لا ، وإنما في العصر الغابر ، العصر الأول ، عصـر الصحابة ، السلف الصالح ، هؤلاء ينبغي أن يكونوا قدوتنا وأن يكونوا متبوعنا ، وليس سواهم على وجه الأرض مطلقاً ، إذن دعوتنا - هنا الشاهد وهنا بيت القصيد- تقوم على ثلاثة أركان على الكتاب والسنة وإتباع السلف الصالح ، فمن زعم بأنه يتبع الكتاب والـسنة ولا يتبــع السلف الصالح ، ويقول بـلسـان حـالـه وقد يـقول بلسـان قاله وكلامه : هم رجال ونحن رجال ، فإنه يكون في زَيْـغٍ وفي ضلال ، لماذا ؟ لأنه ما أخذ بـهذه النصوص التي أسمعناكم إياها آنفاً ، لقد اتبع سبيل المؤمنين ؟ لا ، لقد اتبع أصحاب الرسول الكـريم ؟ لا ، ما اتبع ؟ اتبع إن لم أقل هواه ، فقد اتبع عقله ، والعقل معصوم ؟ الجواب : لا ، إذن فقد ضل ضلالاً مبيناً ، أنا أعتقد أن سبب الخلاف الكثير المتوارث في فرق معروفة قديماً والخلاف الناشئ اليوم حديثاً هو : عدم الرجوع إلى هذا المصدر الثالث : وهو السلف الصالح فكلٌّ يدَّعي الانتماء إلى الكتاب والسنة ، وطالما سمعنا مثل هذا الكلام من الشباب الحيران ، حيث يقول : يا أخي هؤلاء يقولون : الكتاب والسنة ، وهؤلاء يقولون : الكتاب والسنة فما هو الحَكَمُ الفصل ؟ الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ، فمن اعتمد على الكتاب والسنة دون أن يعتمد على السلف الصالح ما اعتمد على الكتاب والسنة ، وإنما اعتمد على عقله ، إنْ لم أقل : على هواه ، من عادتـي أن أضرب بعض الأمثلة ، لتوضيح هذه المسألة بل هذا الأصل الهام ، وهو على ( منهج السلف الصالح ) ، هناك كلمة تُرْوى عن الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول : إذا جادلكم أهل الأهواء والبدع بالقرآن فجادلوهم بالسنة ، فإن القرآن حَـمّالُ وجوه ، من أجل ، لماذا قال عمر هذه الكلمة ؟ أقول : من أجل ذلك قال الله عز وجل مخاطباً نبيه عليه السلام في القرآن بقوله :  وأنزلنا إليك الذكر لِتُبَيِّنَ للناس ما نُزِّلَ إليهم  تُرى هل يستطيع مسلم عربي – هو كما يقال سيبويه زمانه في المعرفة باللغة العربية وأدبها وأسلوبها – هل يستطيع أن يفهم القرآن من غير طريق رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم ؟ الجواب : لا ، وإلا كان قوله تعالى :  لِتُبَيِّنَ للناس ما نُزِّلَ إليهم  عبثاً ، وحاشى كلام الله أن يكون فيه أي عبث ، إذن ، من أراد أن يفهم القرآن من غير طريق الرسول عليه السلام فقد ضل ضلالاً بعيداً ، ثم هل بإمكان ذلك الرجل أن يفهم القرآن والسنة من غير طريق الرسول عليه الصلاة والسلام [ أظن هنا سبق لسان من الشيخ رحمه الله وأظنه يقصد الصحابة رضوان الله عليهم ] ؟ الجواب – أيضاً – : لا ، ذلك لأنهم هم الذين :- أولاً : نقلوا إلينا لفظ القرآن الذي أنزله الله على قلب محمد عليه الصلاة والسلام . وثانياً : نقلوا لنا بيانه عليه السلام الذي ذُكِرَ في الآية السابقة وتطبيقه عليه الصلاة والسلام لهذا القرآن الكريم ، هنا لابد لي من وقفة أرجو أن تكون قصيرة ، بيانه عليه السلام يكون على ثلاثة أنواع : 1 – لفظاً . 2 – وفعلاً . 3 – وتقريراً . لفظا ً : من الذي ينقله ؟ أصحابه ، فعله : من الذي ينقله ؟ أصحابه ، تقريره : من الذي ينقله ؟ أصحابه ، من أجل ذلك لا يمكننا أن نَسْتَقِلَّ في فهم الكتاب والسنة على مداركنا اللغوية فقط ، بل لابد أن نستعين على ذلك ، لا يعني هذا أن اللغة نستطيع أن نستغني عنها ، لا ، ولذلك نحن نعتقد جازمين أن الأعاجم الذين لم يُتْقِنوا اللغة العربية وقعوا في أخطاء كثيرة وكثيرة جداً ، وبخاصة إذا وقعوا في هذا الخطأ الأصولي : وهو عدم رجوعهم إلى السلف الصالح في فهم الكتاب والسنة ، لا أعني من كلامي السابق عدم الاعتماد على اللغة ، كيف ؟ وإذا أردنا أن نفهم كلام الصحابة فلا بد أن نفهم اللغة العربية كما أنه لابد لفهم القرآن والسنة من معرفة اللغة العربية ، لكننا نقول : أن بيان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المذكور في الآية السابقة ، هو على ثلاثة أقسام : 1 – قول . 2 – وفعل . 3 – وتقرير . لنضرب مثلاً أو أكثر – إذا اضطررنا إليه لنستوعب أن هذا التقسيم هو الأمر الواقع ماله من دافع –: قوله تبارك وتعالى :  والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما  السارق - انظروا الآن كيف لا يمكننا أن نعتمد في تفسير القرآن على اللغة فقط - السارق لغةً : هو كل من سرق مالاً من مكانٍ حَريز ، مهما كان هذا المال ليس ذا قيمة ، سرق بيضة - مثلاً – سرق فلساً ، قرشاً ، هذا لغةً : سارق ، قال تعالى :  والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما  ، هل كل من سرق تُقْطَـعْ يـده ؟ الجـواب : لا ، لِمَ ؟ لأن الـمُـبَـيِّـن الذي تولى تَبْيـينَ الـمُـبَـيَّـن - الـمُـبَـيِّن رسول الله ، والـمُـبَـيَّن كلام الله - قد بين لنا رسول الله من الذي تقطع يده من السارقين فقال : ( لا قطع إلا في ربـع دينار فصاعداً ) أخرجه البخاري ومسلم من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها ، فمن سرق أقل من رُبْـع دينار – وإن كان يُسَمّى لغةً : سارق – ولكنه لا يُسَمّى شرعاً سارقاً ، إذن من هنا نتوصل إلى حقيقة علمية كثير من طلاب العلم هم غافلون عنها ، هناك لغةٌ عربية متوارثة ولغة شرعية ، الله اصطلح عليها لم يكن للعرب الذين يتكلمون بلغة القرآن التي نزل بـها القرآن ما كانوا يعرفون من قبل مثل هذا الاصطلاح ، فإذا أطلق السارق لغةً : شَـمِلَ كل سارق ، أما إذا ذُكِرَ السارق شرعاً ، فلا يشمل كل سارق ، وإنما من سرق ربـع دينار فصاعداً ، إذن هذا مثالٌ واقعي أننا لا نستطيع أن نستقل في فهم الكتاب والسنة على معرفتنا باللغة العربية ، وهذا ما يقع فيه كثير من الكُتّاب المعاصرين اليوم ، يُسَلِّطون معرفتهم باللغة العربية على آيات ٍكريمة والأحاديث النبويـة فيفسرونها ، فيأتوننا بتـفسير بِدْعِيٍّ لا يعرفه المسلمون من قبل ، لذلك نقول يجب أن نفهم أن دعوة الإسلام الحق هي قائمة على ثلاثة أصول وعلى ثلاثة قواعد : 1 – الكتاب . 2 – والسنة . 3 – وما كان عليه سلفنا الصالح .  والسارق والسارقة  إذن لا تُفَسَّـر هـذه الآية على مُقْتَضى اللغة ، وإنما على مُقْتَضى اللغة الشرعية التي قالت : ( لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً ) ثم قال في تمام الآية :  فاقطعوا أيديهما  ما هي اليد في اللغة ؟ هذه كلها يد من أنامل إلى [..] فهل تقطع من هنا أم من هنا أم من هنا بين ذلك الرسول بفعله ، ليس عندنا هناك حديث صحيح – كما جاء في تحديد السرقة التي يستحق السارق أن تُقْطَع يده من أجلها ليس عندنا حديث – يحدد لنا مكان القطع من بيانه القولي ، وإنما عندنا بيان فعلي تطبيقي عملي ، من أين نعرف هذا التطبيق ؟ من سلفنا الصالح أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، هذا هو القسم الثاني وهو البيان الفعلي . القسم الثالث : إقرار الرسول عليه السلام للشيء لا يُنْكِرُهُ ولا ينهى عنه ، هذا الإقرار ليس قولاً منه ، ولا فعلاً صدر منه ، إنما هذا الفعل صدر من غيره ، كل ما صدر منه أنه رأى وأقر ، فإذا رأى أمراً وسكت عنه وأقره صار أمراً مقرراً جائزاً ، وإذا رأى أمراً فأنكره ولو كان ذلك الأمر واقعاً من بعض الصحابة ولكن ثبت أنه نـهى عنه حينئذٍ هذا الذي نهى عنه يختلف كل الاخـتلاف عن ذلك الذي أقره ، وهاكم المثال للأمرين الاثنين – وهذا من غرائب الأحاديث – : يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما : كنا نشرب ونحن قيام ، ونأكل ونحن نمشي ، في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ، تحدث عبد الله في هذا الحديث عن أمرين اثنين : 1 – عن الشرب من قيام . 2 – وعن الأكل ماشياً . وأن هذا كان أمراً واقعاً في عهد الرسول عليه السلام ، فما هو الحكم الشرعي بالنسبـة لهـذيـن الأمـرين : الشرب قائماً والأكل ماشياً ؟ إذا طبقنا كلامنا السابق نستطيع أن نأخذ الحكم طبعاً بضميمة لا بُدَّ منها وهي : من كان على علمٍ بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قولاً وفعلاً وتقريراً ، فإذا رجعنا إلى السنة الصحيحة فيما يتعلق بالأمر الأول الذي ابْتُلِيَ كثير من المسلمين إنْ لم أقل ابْتُلِيَ به أكثر المسلمين بمخالفة قول الرسول الكريم ، ألا وهو : الشرب قائماً - كانوا يشربون قياماً كانوا يلبسون الذهب كانوا يلبسون الحرير هذه حقائق لا يمكن إنكارها – لكن هل أقر الرسول ذلك ؟ الجواب : أنكر شيئاً وأقر شيئاً ، فما أنكره صار في حدود المُنْكَر ، وما أقره صار في حدود المعروف ، فأنكر الشرب قائماً في أحاديث كثيرة – ولا أريد الإفاضة فيها حتى ما نخرج - : أولاً : عما خططنا لأنفسنا من أن نخـتصر الكلام في هذا الموضوع إفساحاً لمجال الأسئلة . وثانياً : إن هذه المسألة لِوَحْدِها تحتاج إلى جلسة خاصة . لكن حسبي أن أروي لكم حديثاً صحيحاً أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : ( نـهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشرب قـائـماً ) وفي لفظٍ : ( زَجَرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشرب قائماً ) إذن هذا الذي كان يفعل بشهادة حديث ابن عمر في عهد الرسول عليه السلام قد نـهى هو عنه ، فصار ما كانوا يفعلونه أمراً ملغياًّ ، بِنَهْيِ الرسول عنه ، لكن الشطر الثاني من الحديث وهو : أنـهم كانوا يأكلون وهم يمشون ، ما جاءنا نَـهْيٌ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستفدنا من هذا الإقرار حكماً شرعياً ، إلى هنا أكتفي الآن لبيان ضرورة الاعتماد على فهم الكتاب والسنة على ما كان عليه السلف الصالح وليس أن يستقل الإنسان بفهم الكتاب والسنة كيف ما بدا لعلمه إن لم نقل : لجهله ، لكن لابد بعد أن تَبَيَّنَ أهمية هذا القيد ( على منهج السلف الصالح ) أن أُقَرِّبَ لكم بعض الأمثلة : قديماً تفرق المسلمون إلى فرق كثيرة : تسمعون بالمعتزلة ، تسمعـون بالمرجئة ، تسمعون بالخوارج ، تسمعون بالزيدية فضلاً عن الشيعة الرافضة وهكذا ، ما في هؤلاء طائفة مهما كانت عريقةً في الضلال لا يشتركون مـع سائر المسلمين ، في قولهم : نحن على الكتاب والسنة ، ما أحد منهم يقول : نحن لا نتبنى الكتاب والسنة ، وإلا لو قال أحد منهم هذا خرج من الإسلام بالكلية ، إذن ، لماذا هذا التفرق ما دام أنـهم جـميعاً يعتمدون على الكتاب والسنة ؟ وأنا أشهد أنـهم يعتمدون على الكتاب والسنة ، ولكن كيف كان هذا الاعتماد ؟ دون الاعتماد على الأصـل الـثالث : ( على ما كان عليه السلف الصالح ) مع ضميمةٍ أخرى لابد أيضاً من التنبيه عليها وهي : أن السنة تخـتلف كل الاختلاف عن القرآن الكريم ، من حيث : أن القرآن الكريم محفوظ بين دفتي المصحف كما هو معلوم لدى الجميع ، أما السنة فهي : أولاً: موزعة في مئات الكتب – إن لم أقل : ألوف الكتب – منها قسم كبير جداً لا يزال في عالم الغيب في عالم المخطوطات ، ثم حتى هذه الكتب المطبوعة منها اليوم فيها الصحيح وفيها الضعيف ، فالذين يعتمدون على السنة سواء كانوا من الذين ينـتمون إلى أهل السنة والجماعة وعلى منهج السلف الصالح ، أو كانوا من الفرق الأخرى ، كثير من هؤلاء من لا يميزون السنة الصحيحة من الضعيفة ، فيقعون في مخالفة الكتاب والسنة ، بسبب اعتمادهم على أحاديث ضعيفة أو موضوعة ، الشاهد : هناك بعض الفرق التي أشرنا إليها تُنْـكِرُ بعض الحقائق القرآنية والأحاديث النبوية قديماً وأيضاً حديثاً ، القرآن الكريم يثبت ويـبشر المؤمنين بنعمة عظيمة جداً يحظَوْن بها يوم يلقون الله عز وجل في جنة النعيم ، حيث يتجلى رب العالمين عليهم فيرونه ، كما قال ذلك العالم السلفي : يراه المؤمنون بغير كيف . وتشبيهٍ وضربٍ من مثالِ . هذا عليه نصوص من القرآن وعشرات النصوص من أحاديث الرسول عليه السلام ، كيف أَنْكَرَ هذه النعمة بعض الفرق القديمة والحديثة ؟ أما القديمة : المعتزلة اليوم لا يوجد فيما علمت على وجه الأرض من يقول : نحن معتـزلة ، نحن على مذهب المعتـزلة ، لكنني رأيت رجلاً أحـمق ، يعلن أنه معتـزلي وينكر حقائق شرعية جداً ، لأنه ركب رأسه ، فأولئك المعتزلة أنكروا هذه النعمة ، وقالوا : بعقولهم الضعيفة ، قالوا : مستحيل أن يُرَى الله عز وجل ، فماذا فعلوا ؟ هل أنكروا القرآن ؟ الله يقول في القرآن الكريم :  وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربـها ناظرة  هل أنكروا هذه الآية ؟ لا ، لو أنكروها لكفروا وارتدوا ، لكن إلى اليوم أهل السنة حقاً يحكمون على المعتزلة بالضلال ، لكن لا يُخْرِجونـهم من دائرة الإسلام ، لأنـهم ما أنكروا هذه الآية ، وإنما أنكروا معناها الحق الذي جاء بيانه في السنة كما سنذكر ، فالله عز وجل حين قال في حـق المؤمنيـن أهـل الجنة :  وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربـها ناظرة  تأولوها ، [ دوبَلوا عليه ] آمنوا بها لفظاً ، وكفروا بها معنىً ، والألفاظ – كما يقول العلماء : - هي قوالب المعاني ، فإذا آمنا باللفظ وكفرنا بالمعنى فهذا الإيمان لا يُسْمِنُ ولا يغني من جوع ، لكن لماذا هؤلاء أنكروا هذه الرؤيا ؟ ضاقت عقولهم أن يتصوروا وأن يتخيلوا أن هذا العبد المخلوق العاجز ، بإمكانه أن يرى الله عز وجل جهرةً ، كما طلب اليهود من موسى ، فأعجزهم الله عز وجل بالقصة المعروفة :  انظر إلى الجبل فإن استـقر مكانه فسوف تراني  ضاقت عقولهم ، فاضطروا أن يتلاعبوا بالنص القرآني وأن يؤولوه ، لماذا ؟ لأن إيمانهم بالغيب ضعيف وإيمانـهم بعقولهم أقوى من إيمانـهم بالغيب الذي أُمِروا به في مطلع سورة البقرة :  ألم ، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ، الذين يؤمنون بالغيب  فالله غيب الغيوب ، فمهما ربنا تحدث عن نفسه ، فعلينا أن نصدق وأن نؤمن به ، لأن مدارِكِنا قاصرة جداً ، ما اعترف المعتزلة بهذه الحقيقـة ، ولذلك جحدوا كثيراً من الحقائق الشرعية ، منها : قوله تبارك وتعالى :  وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربـها ناظرة  كذلك الآية الأخرى وهي قد تكون أخفى بالنسبة لأولئك الناس من الآية الأولى ، وهي قوله عز وجل :  للذين أحسنوا الحسنى وزيادة  ،  للذين أحسنوا الحسنى  أي : الجنة ،  وزيادة  أي : رؤية الله في الآخرة ، هكذا جاء الحديث في صحيح مسلم بسنده الصحيح عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم :  للذين أحسنوا الحسنى  قال عليه السلام : ( الجنـة ) ،  وزيادة  : ( رؤية الله ) . أنكر المعتـزلة وكذلك الشيعة – وهم معتزلة في العقيدة – ، الشيعة معتـزلة في العقيدة أنكروا رؤية الله ، المصرح في الآية الأولى والمبين من رسول الله في الآية الأخرى ، مع تواتر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فأوقعهم تأويلهم للقرآن في إنكار الأحاديث الصحيحة عن الرسول عليه السلام ، فخرجوا عن أن يكونوا من الفرقة الناجية : ( ما أنا عليه وأصحابي ) الرسول كان على الإيمان بأن المؤمنين يرون ربهم ، لأنه جاء في الصحيحين من أحاديث جـماعة من أصحاب الرسول عليه السـلام ، منهم : أبو سعيد الخدري ، منهم : أنس بن مالك ، خارج الصحيح أبو بكر الصديق وهـكذا ، قال عليه الصـلاة والسـلام : ( إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلـة البـدر لا تضـامون في رؤيتـه ) ، روايتين : 1 – ( لا تضامُون ) بالتخفيف . 2 – و ( لا تضامُّون ) بالتشديد . والمقصود : لا تَشُكّون في رؤيته كما لا تشكون في رؤية القمر ليلة البدر ليـس دونـه سحاب ، أنكروا هذه الأحاديث بعقولهم ، إذن هم ما سَلَّموا وما آمنوا ، فكانوا ضعيفي الإيمان هذا مثال مما وقع فيه بعض الفرق قديماً ، وعلى هذا حديثاً اليوم : الخوارج ، ومنهم : الإباضية ، الذين الآن نشطوا في الدعوة إلى ضلالهم ، ولهم مقالات الآن ورسائل ينشرونـها ، ويُحْيون الخروج الذي عُرِفَ به الخوارج من قديم في كثير من انحرافاتهم ، منهـا : إنكارهـم رُؤْيَة الله عـز وجـل في الجنـة ، الآن نـأتيكـم بمـثـال حـديث : القـاديـانـيــون ، ربما سمعتم بـهم ، هؤلاء يقولون كما نقول : نحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، يصلون الصلوات الخمس ، يقيمون الجمعة ، يحجون إلى بيت الله الحرام ، ويعتمرون ، لا فرق بيننا وبينهم هم كمسلمين ، لكنهم يخالفوننا في كثير من العقائد منها - وهنا الشاهد - قولهم : بأن النبوة لم تُغْلَق بابها ، يقولون بأنه سيأتي أنبياء بعد محمد عليه السلام ، ويزعمون بأنه جاء أحد منهم في قاديان في بلدة في الهند ، فمن لم يؤمن بهذا النبي عندهم فهو كافر ، كيف قالوا هذا مع الآية الصريحة :  ولكن رسول الله وخاتم النبيين  ؟ كيف قالوا هذا مــع الأحاديث المتواترة بأنه : ( لا نبي بعدي ) ؟ فأوَّلوا القرآن والسنة ، وما فسروا القرآن والسنة كما فسرها السلف الصالح وتـتابـع أيضاً المسلمون على ذلك ، دون خلاف بينهم ، حـتى جـاء هـذا الزائــغ الضـال المسـمـى بـ ( مـيرزا غـلام أحمد القاديانـي ) ، فزعم بأنـه نـبي ، ولـه قصـة طـويلـة لسـنـا الآن فـي صددها ، فاغتر به كثير ممـن لا علم عندهم بـهذه الحقائق التي هي : صيانة للمسلم من أن ينحرف يميناً ويساراً كما انحرف القاديانيون هؤلاء مع دجـالهم هذا الذي ادعى النبـوة ، مـاذا فعـل بالآيـة :  ولكن رسـول الله وخـاتم النبيـين  ( الأحزاب :40) ؟ قالوا : ( خـاتم النبـيـين ) : مِشْ معنـاها : لا نـبي بعده ، معناها : زينة النبـيـين ، كما أن الخـاتم هو : زينـة الإصبـع ، كـذلك محمد زينـة الأنبياء ، إذن هـم مـا كفـروا بالآية ، ما قالوا : هذا ما أنزلها الله على قلب محمد ، لكن كفروا بمعناها الحقيقي ، إذن ، ماذا يفيد الإيمان بالألفاظ دون الأيمان بحقائق المعاني ، إذا كانت هذه حقيقة لا شك فيها ، ما هو الطريق للوصول إلى معرفة حقائق المعاني للكتاب والسنة ؟ قد عرفتم الطريق ، ليس هو أن نعتمد نحن على عِلْمِنا باللغة وآدابـها ونفسر القرآن والسنة بأهوائنا أو عاداتنا أو تقاليدنا أو مذاهبنا أو طرقنا ، وإنما كما قيل – وأنهي الكلام بهذا القول –: وكل خير في اتباع من سلف . وكل شر في ابتداع من خلف . لعل في هذا ذكرى لمن كان لـه قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .