من هو المبتدع ومن هو الكافر

 

** السؤال كامل

من هو المبتدع ومن هو الكافر
** جواب السؤال

ثمّ هنا لا بد من بحث، يجب أنْ نَعرِف من هو المُبتدع، تَماماً كما يجب أنْ نعرف من هو الكافر. فهنا سؤال كما يقولون اليوم يَطرَحُ نفسَه: هلْ كلُّ مَن وَقَعَ في الكُفْرِ وَقَع الكُفْرُ عليه ؟. وكذلكَ كلُّ مَن وَقَع في البِدعَةِ وَقَعَتْ البدعة عليه ؟. أم الأمر ليس كذلك ؟. إذا كان الجواب ليس كذلك، نمضِي في الموضوع، وإنْ كان خافِياً فلا بدّ مِن بيانِه. أُعيد المسألة بشيء مِن التَّفصِيل: ما هي البِدعة ؟. هي الأمْرُ الحادِث على خِلاف سُنَّة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يُرِيدُ بها صاحبها أنْ يزدادَ تَقَرُّباً إلى الله تبارك وتعالى. فهلْ كلُّ من ابتدعَ بدعةً يكون مُبتدِعاً ؟. أُرِيدُ أنْ أسْمَعَ الجواب باختصار: لا، بلى. السائل: لا. الشيخ: إذاً مَن هُو المُبتَدع ؟. السائل: الذي تُقام عليه الحُجَّة، ويُصِرُّ بعد ذلك على البدعة. الشيخ: حسناً، فهؤلاء الذين نقول نحن عنهم لا يُتَرَحَّم عليهم، هل أُقيمَتْ الحُجَّة عليهم ؟. أنا أقولُ مِن عندي: الله أعلم. أمّا أنتَ ماذا تَقُول ؟. السائل: أقولُ كما قلتَ يا شيخ. الشيخ: جزاكَ الله خيراً، إذاً ما هو الأصل في هؤلاء ؟.الإسلام، أمِ الكُفر ؟. السائل: الإسلام. الشيخ: طيّب، إذاً الأصل أنْ يُتَرَحّم عليهم، أليس كذلك ؟. إذاً انتَهَتْ القضية. فلا يجوز أن نتبنى اليوم مذهباً، فنقول: لا يجوز الترحّم على فلان، وفلان وفلان من عامة المسلمين فضلاً عن خاصتهم، فضلاً عن علمائهم. لماذا ؟؛ لسببين اثنين: وهذا تلخيص ما تقدم. السبب الأول: أنّهم مسلمون. السبب الثاني: أنّهم إن كانوا مبتدعين، فلا نعلم أنّه أُقيمَت الحُجَّة عليهم، وأَصرُّوا على بدعتهم، وأَصَرُّوا على ضلالهم. لهذا أنا أقُول: مِن الأخطاء الفاحشة اليوم، أنّ الشباب الملتزم، والمتمسك بالكتاب والسنَّة فيما يَظُنُّ هو، يَقَعُ في مخالفة الكتاب والسنّة مِن حيثُ لا يدرِي، ولا يَشْعُر، وبالتالي يَحِقُّ لي على مذهبهم أنْ أُسمِّيهِم: مُبْتَدِعة، لأنهم خالفوا الكتاب والسنّة. لكنِّي لا أُخالفُ مذهبي، الأصل في هؤلاء أنّهم مسلمون، وأنّهم لا يَتقصَّدُون البدعة، ولا يُكابرِون الحُجَّة، ولا يَرُدُّون البرهان والدليل. لذلك نقول: أخطؤوا مِن حيثُ أرادوا الصواب. وإذا عرفنا هذه الحقيقة نَجَوْنا مِن كثير مِن الأمُور الشائكة في هذا الزمان، ومن ذلك جماعة الهجرة والتكفير التي كانت في مصر، وكانت نَشَرَت شيئاً مِن أفكارِها وكانت وَصَلَت إلى سوريا يومَ كنتُ هناك، ثمَّ إلى هنا أيضاً، وكان لنا هنا إخوان على المنهج السلفي الكتاب والسنّة، تأثروا بتلكَ الدّعوة الباطلة وتركوا الصلاة مع الجماعة، بل والجمعة، وكانوا يُصلُّون في دُورهم وفي بيوتهم، حتى اجتمعنا معهم وعَقَدْنا ثلاث جلسات: الجلسة الأولى: ما بين المغرب والعشاء، وامتنعوا من الصلاة خلفنا، أعني خلفنا نحن السلفيين، وما أردتُ أنْ أقُولَ خلفي، لأني سأتحدَّثُ عن نفسي، كانوا يقولون: نحنُ نعْتَمِد على كُتُبِك ومعَ ذلك لا يُصَلُّون خلفي. لماذا ؟ لأنّنا لا نُكَفِّر المسلمين الذين همْ يُكفِّرونهم، هذا في الجلسة الأولى. في الجلسة الثانية: كانت في عُقْرِ دارِهم واستمرّت إلى نِصف الليل. لكن بَدأَت البشائِر والحمدُ لله تظْهَر في استجابتهم لدعوة الحقّ، حيثُ أذنّا وأقمناَ الصلاة وصلينا هناك، قُبيل نصف الليل، فصلُّوا خلفنا، هذه الجلسة الثانية. أمّا الجلسة الثالثة: فقد استمرت من بعد صلاة العشاء إلى أذان الفجر، سحبة واحدة. وكانت الحمد لله القاضية، وهم إلى اليوم معنا، وقد مضَى على ذلك نحو اثني عشرة سنة والحمد لله. فما هي إلاّ شُبُهات جاءتهم مِن عدمِ فِقهِهِم في الكتاب والسنّة. ولعلّك تعلم يا أخاناَ خالد بأنّ التَّفَقُّه في الكتاب والسنّة ليس أمراً سهْلاً اليوم بعد أنْ وُرثْنا مذاهب شتّى، وفِرق كثيرة جداً؛ في العقائد، وفي الفقه، فلا يستطع الطالب الناشئ أن يخُوض في خِضَم هذه الخلافات إلاّ بعد زمن مديد وطويل جداً مِن دراسة ما يسمى اليوم بالفقه المقارن، ودراسة أدلَّة المختلفين في الأصول وفي الفروع، وهذا في الواقع يحتاج إلى عمر مديد أولاً، ثمّ إلى توفيق من رب العالمين ثانياً حتّى يتمكن المسلم أن يُحقِّق اللهُ عز وجل له دعوته التي سنَّها لنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حينما كان يدعو في بعض أدعية صلاة الليل:« اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ». ولذلك فنحن نَنْصح شبابنا الناشئ اليوم على مذهب الكتاب والسنّة بأَنْ يَتَّحدوا وأن يترووا، وأن لا يصدروا أحكاماً يعني يبنونها على بعض ظواهر الأدلة، لأن ليس كلّ ظاهر ينبغي للمسلم أن يَقِف عنده، وإلاّ عاشَ في بلبلَة علمية لا نهاية لها. أظُنُّكَ تعلم أن أقرب المذاهب إلى الكتاب والسنّة، هو مذهب أهل الحديث، وأنّك تعلَم أنّ أهلَ الحديث يَعتَمِدون على رواية المبتدعة إذا كانوا ثقاةً، صادقين، حافظين، ومعنى هذا أنّهم لم يحشروهم في زُمرَة الكافرين، ولا في زُمرَة أولئك الذين لا يَتَرَحَّمُون عليهم. بل أنتَ تعلَم أنَّ هناك في بعضِ الأئمة المُتَّبَعِين اليوم، والذين لا يَشُكّ عالم مسلم، عالم حقاً بأنّه مسلم، وليس هذا فقط، بل وعالم فاضل، ومع ذلك فقد خالف الكتاب والسنّة، وخالف السلف الصالح في غير ما مَسْألَة، أعنِي بذلك مثلاً: النعمان بن ثابت أبا حنيفة رحمه الله الذي يقول: بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ويقول: لا يجوز للمسلم أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، وأنّه إذا قال: إن شاء الله فليس مسلماً. لا شكّ أنّ هذا القول بدعة في الدين، لأنّه مخالف للكتاب والسنّة، لكن هو ما أراد البدعة، هو أرادَ الحق فأخطأَه. ولذلك ففتح هذا الباب مِن التشكيك بعلماء المسلمين، سواء كانوا من السلف أو من الخلف، ففي ذلك مُخالَفَة لِما عليه المسلمون. فربنا عز وجل يقول في القرآن الكريم: ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾ [النساء:115]. وأخِيراً أُرِيدُ أنْ أُذكِّر بحقيقة لا خِلافَ فيها، لكني أُرِيدُ أنْ أُلْحِقَ بها شيئاً لا يُفكِّر فيه شبابنا الناشئون في هذا العصر. تلك الحقيقة هي: قولُه عليه السلام في كثير مِن الأحاديث:« مَن كفَّر مسلماً فقد كَفَر ». هذه حقيقة لا ريب فيها. ومعروف تفصيل هذا الحديث في بعض الروايات الأخرى، أنّه إنِ كان الذي كفَّره كافِراً فقد أصابَ، وإلاّ حالَتْ عليه، ورَجَعَت عليه. هذا ما يحتاج إلى بحث، لأن الحديث في ذلك صريح، لكن أُريد أن أُلحق به فأقول: مَن بَدَّع مسلماً فإمّا أن يكون هذا المسلم مبتدعاً، وإلاّ فهو المُبتدِع ، وهذا هو الواقع الذي قلتُه لكم آنفاً، أنّ شبابنا يِبَدْعوا العلماء، وهم الذين وقعوا في البدعة، لكنهم لا يعلمون، ولا يريدون البدعة، بل هم يُحاربونها، لكن يَصدُق عليهم قول من قال قديماً: أوردهَا سعدٌ وسعدٌ مُشتمِل *** ما هكذاَ يا سعدُ تُوردُ الإبِل لذلك نحنُ ننْصَح شبابنا أنْ يلتَزِموا العمَلَ بالكتابِ والسُّنَّة في حُدُودِ عِلمِهم ، ولا يَتطَاولُوا على غيرِهِم ممَّن لا يُقرنُون بهم علماً، وفَهماً، وربّما وصَلاحاً، كمثل النووي، كمثل الحافظ ابن حجَر العسقلاني. أعْطينا اليوم في العالم الإسلامِي كلُّه مِثل الرَجُليْن هَدُولْ. ودَعْكَ والسيّد قُطب، هذا رجل نحنُ نُجِلُّه على جهادِه، لكنّه لا يزيد على كونِه كان كاتباً، كان أدِيباً مُنشِئاً، لكنّه لم يكُن عالماً. فلا غرابة أنْ يصدُرَ منه أشياء، وأشياء، وأشياء تُخالِف المنهج الصحيح. أمّا مَن ذُكِر معه مثل النووي وابن حجر العسقلاني وأمثالهم، والله إنَّهُ لمِن الظلم أنْ يُقال عنهم إنّهم من أهل البدعة. أنا أعرف أنّهما مِن الأشاعرة، لكنهما ما قصدوا مخالفة الكتاب والسنَّة، وإنّما وَهِمُوا، وظَنُّوا أنّ ما وَرِثُوه مِن العقيدة الأشعرية، ظَنُّوا شيء اثنين: أولاً: أن الإمام الأشعري يقول ذلك، وهو لا يقول ذلك إلاّ قديماً، لأنّه رَجَعَ عنه. وثانياً: تَوَهَّمُوه صواباً، وليس بصواب.