ما حكم الشرع فيما يفعله بعض من ينتسب إلى السنة من تأسيس أحزاب للمقاومة
** السؤال كامل
*جواب السؤال
الشيخ: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، لا يوجد -كما هو معلوم عند أهل العلم- أي دليل في كتاب الله أو في سنة رسول الله ما يجيز للمسلمين أن يتفرقوا شيعاً وأحزاباً، وإنما يوجد في الكتاب والسنة خلاف ذلك تماماً، حيث قال تعالى وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ 31 مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ 32 [31-32:الروم] وقال : "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة" قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: "هي التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي" وفي الرواية الأشهر: "هي الجماعة" وإنما تكون الجماعة جماعة حقيقية إذا كانت تتمسك بالكتاب والسنة تمسكاً فعلياً وليس تمسكاً قولياً، ولذلك هنا لابد من لفت النظر إلى حقيقة طالما أصبحت اليوم تتكرر ألفاظها وتخفى حقائقها، وهي أن من موضة العصر الحاضر اليوم أن كل حزب صار ينتمي إلى الكتاب والسنة، بعد أن لم يكن للكتاب والسنة ذكر على ألسنتهم قبل نحو ربع قرن من الزمان، ولكن بفضل الله ورحمته، لما بدأت دعوة الكتاب والسنة تعلو على كل الدعوات وأصبحت لها الهيمنة والسيطرة على كل الدعوات صار من مصلحة الدعوات الأخرى أن يتبنوا الانتسابة إلى الكتاب والسنة، ولكن شتان بين من ينتسب إلى الكتاب والسنة إسماً، وبين من ينتسب إليها إسماً وفعلاً، ولذلك فلا ينبغي لنا أن نظن أن كل من كان يدعو أو يقول نحن على الكتاب والسنة إنهم كذلك على الكتاب والسنة، وإنما علينا أن نقارن بين القول وبين الفعل، فمن كان فعله يصدق قوله فنحن نكون معه ليس حزباً، وإنما جماعةً واتباعاً للحديث السابق: قالوا من هي؟ -أي الفرقة الناجية- قال: "الجماعة" وفي الرواية الأولى أو الأخرى: "هي التي على ما أنا عليه وأصحابي" ، فمن كان فعله يطابق قوله كنّا معه وكنا جماعة واحدة، وليس فرقاً وأحزاباً، كل حزبٍ بما لديهم فرحون. هذه الملاحظة يجب أن نلاحظها لأننا نسمع اليوم دعوات كثيرة بينها إختلاف كبير جداً ومع ذلك فكل منهم يدعي أنه على الكتاب والسنة، وكما قيل قديماً: وكلٌ يدعي وصلاً بليلى * * * وليلى لا تقر لهم بذاك وربنا عز وجل يقول في الكتاب الكريم كما هو معلوم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ 2 كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ 3 [2-3:الصف] ، تجد مثلاً على سبيل المثال، تجد كثيرا من الناس يقولون: نحن على الكتاب والسنة، ونحن على منهج السلف الصالح ، لكنك إذا نظرت إلى مظهرهم رأيت مظهرهم لا ينبي عن شيءٍ من ذلك الإتباع للمنهج ، منهج السلف الصالح، فكثيرٍ منهم يتزيون بزي الأجانب، كثيرٍ منهم لا يتشبهون بنبيهم الذي مثلاً كان يقول: "حفوا الشارب وأعفوا اللحى وخالفوا اليهود والنصارى" فتجد الكثير من هؤلاء المدعين الانتساب إلى الكتاب والسنة أو الانتساب إلى السلفية يخالف فعلهم قولهم، يخالف مخبرهم خَبرهم، فلذلك هؤلاء ينبغي نحن أن لا نحشرهم في زمرة الجماعة التي لا تفرق فيها، ولا أحزاب فيها، وإذا عرفنا هذه الحقيقة سَهُل علينا تماماً أن نفهم أن من كان يدعي الإنتساب إلى الكتاب والسنة ومع ذلك فهم فرق وشيع وأحزاب، فليسوا على الكتاب والسنة ؛ لأنه هذا التفرق وهذا التحزب، خلاف الكتاب والسنة. ما أدري أنه إذا كان كأنه في بقية للسؤال لو ذكرتني حتى ندندن حوله. المقدم: إذا إذا أسسوا أحزاب وجبهات وتنظيمات إسلامية لمواجهة القوى المعادية للإسلام -كما يقولون- وبخاصة أنهم يستدلون أحياناً بقاعدة تقول: [ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب] الشيخ: طيب، محاربة القوى المحاربة للإسلام لا تكون بالتفرق، وإنما تكون بالتجمع، وهو ما أشرنا إليه آنفاً أن يكونوا جماعة واحدة ويربطهم منهج واحد، وليس هناك منهج إلا منهج الكتاب والسنة وما كان عليهم سلفنا الصالح، كما اشتهر عن الإمام ابن قيم الجوزيّة رحمه الله أنه كان يقول -ونعم ما كان يقول- : العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأي فقيه كلا ولا جحد الصفات ونفيها *** حذرا من التشبيه والتمثيل نحن نجد هؤلاء الأحزاب أكثرهم لا يهتمون بتصحيح عقائدهم وأفكارهم، لا يهتمون بتصليح عباداتهم و صيامهم ومناسك حجهم، وإنما الحقيقة كلُّ حزبٍ منهم يتحزب للمذهب الذي عاش عليه، فعندكم مثلاً ، يغلب التحزب للإمام مالك رحمه الله، في بلاد أخرى كتركيا مثلاً لا يعرفون الإسلام إلا من زاوية مذهب أبي حنيفة فقط، وفي بلاد أخرى كسوريا مثلاً ومصْر مثلاً وهذه بلاد يعرفون مذهبين اثنين وهو الشافعي والحنفي، وعلى العكس من ذلك مثل في النجد مثلاً ما يعرفون مذهباً إلا المذهب الحنبلي، في الحجاز يعرفون المذهب الشافعي وهكـذا، هذا ليس هو منهج السلف الصالح، منهج السلف الصالح كما أسمعناكم آنفاً من قول ابن القيم رحمه الله: العلم قال الله قال رسوله، هؤلاء الأحزاب من كان يقول نحن على الكتاب والسنة ويصدق فعله قوله كما قلنا آنفاً فهو من الجماعة ونحن معهم أين ما كانوا ومن كانوا، أما استغلال هذه الدعوة في سبيل تجميع الناس وتكتيلهم وتحزيبهم، ولو في زعم محاربة القوى المحاربة للإسلام، وهي قوى إما أن تكون كافرة كفراً محضاً، وإما أن تكون منحرفة عن الإسلام كثيراً أو قليلاً، فما يكون أبداً محاربة القوى التي تعادي الإسلام إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة في كل شؤون الحياة. ونحن نعلم من واقع الجماعات والأحزاب المعروفة اليوم على وجه الأرض أنها فقط تهتم بالكلام، ولا تهتم بمعرفة الإسلام وفهمه فهماً صحيحاً أولاً، ثم بتطبيق هذا الإسلام على أنفسهم وعلى ذويهم و أهليهم ثانياً، هذا نادر جداً و هذا الذي نحن نهتم به من أن يكون فهمنا للإسلام فهماً صحيحاً، على منهج قال الله قال رسول الله قال سلفنا الصالح، ثم تطبيق ذلك في كل شؤون حياتنا فيما استطعنا إليه سبيلاً. هذا هو جواب هذا السؤال، أما السؤال الثاني ما هو ؟ المقدم: سيدنا لو تكلمت عن القاعدة [ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب] الشيخ: نعم! المقدم: لو تم الإشارة عليها بشكل ... الشيخ [مقاطعاً]: هيـه، صحيح ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب، هذه قاعدة معترف فيها بين أهل العلم، لكنهم يتغافلون عن الحقيقة التي سبقت الإشارة إليها، وهي أن التجمع والتكتل لمحاربة القوى المحاربة للإسلام والمعادية له يجب أن يكون على أساس الكتاب والسنة، فيجب قبل كل شيء أن نتدارس الكتاب والسنة، وأن يظهر فقهه في ذوات أنفسنا، وهذا هو الذي يجمعنا بعضنا إلى بعض، وهذه القوة هي التي تستطيع من قريب إن شاء الله أن تحارب القوى المعادية للإسلام وليس بمجرد التحزب والتكتل، والدليل على ذلك أن بعض الجماعات الإسلامية المعروفة اليوم مر عليها قرن من الزمان وهي تدعو إلى الإسلام إسماً، ولكنها لم تستطيع أن تزرع الإسلام في صدور المنتسبين إليها فضلاً أن يتمكنوا من محاربة أعداءهم، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، الذي يفقد السلاح لمحاربة الأعداء لا يستطيع أن يحاربهم، والسلاح هنا في محاربتهم ليس إلا فهم الإسلام فهماً صحيحاً، وتطبيقه تطبيقاً صحيحاً