ما هو تفسير الآية ( واتبعوا ما تتلوا الشياطين .. وما أنزل على الملكين )؟.

 
** السؤال كامل
السائل : ما تأويل الآية الكريمة: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ ﴾ [البقرة:102] ؟.
* جواب السؤال

الشيخ : لا شك أن الآية فيها خلاف عند العلماء علماء التفسير، لكن الذي ترجح لدي أنا شخصياً بأن (ما) هنا ليست نافية، بل هي موصولة، أي: إن الله عز وجل أنزل الملكين ليعلموا الناس السحر، حيث كان السحر طغى وانتشر في ذلك الزمان، واختلط أمره ببعض المعجزات، التي كان يأتي بها بعض الأنبياء كمثل قصة السحرة مع موسى عليه الصلاة والسلام، حيث أراد فرعون على يدي السحرة أن يضلل الشعب عن دعوة موسى إلى الحق؛ بأن ما جاء به إنما هو السحر، ثم كما نعلم أن الله عز وجل قضى على عمل السحرة وأسلموا وآمنوا بالله رب العالمين، فكان علمهم بالسحر سبباً لهم ليميزوا بين ما كان خيالاً وسحراً وبين ما كان حقيقة، الحقيقة إنه موسى عليه السلام لما ألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ هذه حقيقة آمن بها قبل الناس كلهم هم السحرة؛ لأنهم يعرفون من علمهم بالسحر أنه تمويه وتضليل لا حقيقة له؛ لكنهم حينما فوجئوا بمعجزة موسى عليه السلام ظهر لهم الفرق بين الحقيقة وبين السحر: فـ ﴿ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء:47]. فحكمة الله عز وجل اقتضت أن ينزل الملكان: هاروت وماروت؛ لكي يعلموا الناس السحر ليس يتعلمون السحر للسحر، وإنما ليتمكنوا به من تمييز السحر الذي كان يتخذه كثير من الدجالين يومئذٍ للتمويه على الناس واستعبادهم، كما جاء في قصة الغلام والراهب، ولعلكم تذكرون قصته، وخلاصتها ولابد من هذه الخلاصة: أن ملك ذلك الزمان الذي هو صاحب الأخدود المذكور في القرآن، كان يستغل ساحراً لكي يستعبد الناس، ولما شعر بأن الساحر أنه قد أسنَّ وشاب وكبر قال له: اختر لي غلاماً من الشعب حتى يخلفك من بعد، لماذا؟ لكي يظل مستمراً في استعباده للشعب بالسحر، هكذا كان الملوك في الزمن القديم يستغلون الناس بالسحر، فالله عز وجل أرسل الملكين ليعلما الناس كلهم، وليس كما فعل ساحر الملك ملك الأخدود حيث قال له: اختر لي غلاماً، لا يناسبه أن ينشر علم السحر بين الناس كلهم؛ لأنهم سيعلمون أن الملك يضلل عليهم بالسحر الذي هم عرفوه. فاقتضت حكمة الله عز وجل بأن يرسل الملكين ليعلموا الناس السحر؛ لكي يفرقوا بين السحر وبين المعجزة؛ ولأن السحر بلا شك أداة إفساد، قال في نفس سياق القصة: ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ [البقرة:102]. فهم جاءوا بتعليم السحر لغاية، لكن هذا التعليم قد ينقلب إلى فتنة؛ فيتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، وما يفرقون به بين المرء وزوجه. هذا الذي أراه في تفسير هذه الآية، والله أعلم.