بيان حجه صلى الله عليه وسلم محاضرة لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز

المحاضرة مفرغة : 

أحد المهتمين بهذا البرنامج يسأل ويقول - لخصوا لنا الطريق الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم في حجه؟ من برنامج نور على الدرب برنامج يومي من إذاعة القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية يجيب أصحاب الفضيلة العلماء على أسئلة المستمعين
 

الشيخ

هذا معناه بيان حجه صلى الله عليه وسلم وعمدة المؤمنين وعمدة الفقهاء في كل مذهب من المذاهب المعروفة وعمدتهم حج النبي عليه الصلاة والسلام في بيان أحكام الحج لأنه صلى الله عليه وسلم حج وقال خذوا عني مناسككم فالمسلمون اعتمدوا في بيان أعمال الحج وسننه وما ينهى عنه اعتمدوا على حجته صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وهي حجة واحدة - لم يحج بعد ما هاجر سوى حجة واحدة وهي الحجة الأخيرة التي حجها عام عشر ولم يعش بعدها إلا قليلا نحو قرابة من ثلاثة اشهر قرابة من ثمانين يوماً تزيد قليلا ثم توفى عليه الصلاة والسلام ونقل إلى الرفيق الأعلى عليه الصلاة والسلام
وقيل حجة الوداع لأنه ودع الناس فيها وقال خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا فهو صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة - لخمسة بقيت من ذي القعدة عام عشر من الهجرة ونزل إلى الحليفة ميقات أهل المدينة يوم السبت بعد صلاة الظهر صلى بالناس الظهر في المدينة وذكرهم ووعظهم وعلمهم كيفية مناسك الحج ثم ارتحل فنزل في ذي الحليفة بالناس وصلى فيها العصر ركعتين والمغرب ثلاثة والعشاء ركعتين وصلى فيها الفجر يوم الأحد وصلى فيها الظهر يوم الأحد ركعتين حتى تلاحق الناس
ثم توجه من ذي الحليفة بعد الظهر أحرم بعدما صلى الظهر عليه الصلاة والسلام أحرم بالحج والعمرة قارنا وساق معه ثلاثة وستين بدنة وجاء علي رضي الله عنه محرماً ببقية الهدي مائة سبعة وثلاثين صار الجميع مائة بدنة ساقها عليه الصلاة والسلام وكان عندما صلى الظهر وبعدما لبس الإزار والرداء وبعد الغسل والتطيب لبى بقوله اللهم لبيك عمرة وحجة بعدما اغتسل وبعد ما لبس الإزار والرداء وبعدما طيبته عائشة بشيء طيب من المسك بعد ذلك لبى بعدما ركب دابته
هذا هو السنة إذا أتى الميقات يغتسل ويتطيب ويلبس الإزار والرداء إن كان رجلا وتلبس ملابسها المرأة التي تريد والأفضل أن تكون ما تلفت النظر ملابس غير جميلة حتى لا تلفت النظر فإذا فرغ كل منهما من ذلك ركب دابته أو السيارة ثم لبى هذا السنة يلبي بعد ما يركب بعدما يفرغ من حاجاته كلها كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وإذا كان بعد فريضة كان أفضل لأن الرسول أحرم بعد صلاة الظهر عليه الصلاة والسلام وإن كان صلاته ركعتي الضحى فلا بأس وذكر بعض العلماء أن يستحب له أن يتوضأ ويصلي ركعتين قبل أن يحرم كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم وأحرم بعدها
ويستحب للمسلم والمسلمة عند الإحرام في غير وقت الصلاة أن يصلي ركعتين كركعتي الضحى ويحرم بعدهما هكذا قال الجمهور ولا أعلم نصا واضحا في ذلك إلا أنهم أخذوا بفعله صلى الله عليه وسلم لما أحرم بعد صلاة الظهر ولأنه جاء في حديث صحيح رواه البخاري أن النبي النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاني الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة قال بعض أهل العلم أن هذا من العموم يدل على شرعية الصلاة عند الإحرام ولكنه ليس بصريح لأنه يحتمل المراد صلاة الفريضة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم -
فالحاصل أن الأمر في هذا واسع إن كان بعد فريضة أحرم بعد الفريضة وإن لم يوافق فريضة فإن كان إحرامه مثلاً الضحى فإذا توضأ وصلى ركعتين وأحرم بعدها كان حسناً إن شاء الله كما قال جمهور أهل العلم ولأن الوضوء له سنة إذا توضأ الإنسان شرع له سنة الوضوء فليلبس إزاره وردائه ويتطيب ويستكمل كل شيء مثلاً كشاربه طويل قصه والأظفار الطويلة قلمه وهكذا هذا من باب السنة وإذا فعل ذلك في بيته قبل ذلك كفى ذلك والحمد لله
ثم بعد ما ينتهي من هذا كله يتهيأ يركب الدابة أو السيارة والآن الموجود السيارة والدواب الآن تركت واكتفي بالسيارة والسيارة تقوم مقام الدابة فإذا ركب لبى اللهم لبيك عمرة وحجة إن كان قارناً كفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لبى قارناً لأنه ساق الهدي أما إن كان ما ساق الهدي فالأفضل أن يلبي بالعمرة يقول اللهم لبيك عمرة وإن كان الوقت ضيقا لبى بالحج اللهم لبيك حجة يكفي هذا هو الأفضل من القران، ولكن يشرع القران لمن الهدي من إبل أو بقر أو غنم وبعدما يقول هذا يقول لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك يرفع صوته بها، بعدما بين الرسول صلى الله عليه وسلم ما يلبي بها في الحج وهكذا الصحابة فعلوا مثله كانوا يرفعون أصواتهم بذلك وكان يرفع صوته بذلك عليه الصلاة والسلام وهذا المشروع وهو صوت التلبية حتى يسمع القريب والبعيد وحتى ينشط الناس ويتتابعوا بهذه التلبية العظيمة التي فيها توحيد الله والإخلاص له ولهذا قال جابر رضي الله عنه للنبي النبي صلى الله عليه وسلم لما ++أحرم لذلك أهل بالتوحيد لأنه قال لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك لبيك هذا هو التوحيد وكانت العرب تشرك في التلبية فتقول إلا شريك هو لك تملكه وما ملك فأبطل الله ذلك بفعل نبيه صلى الله عليه وسلم وقوله عليه الصلاة والسلام فقال لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك هذه هي التلبية الشرعية الثابتة عند النبي عليه الصلاة والسلام وإن لبى بالزيادة كأن قال لبيك اللهم لبيك لبيك يا أحق لبيك - فقد ورد هذا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أو لبى بأي نوع مما جاء عن بعض الصحابة قال لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك ويزيد لبيك حقاً حقاً تعبداً ورقاً وما أشبه ذلك كله حق لا بأس لكن التلبية التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولازمها أفضل من غيرها.
ولما كانت أسماء بنت عميس قد ولدت في الحليفة ابنها محمد بن أبي بكر - واستفتت النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل وتلبي وهي في نفاسها فدل ذلك على أن المرأة إذا كانت في نفاس تلبي ولا بأس وهكذا الحائض إذا جاءت إلى الميقات وهي حائض تلبي تغتسل فقد أمرها الرسول بالاغتسال أمر أسماء بالاغتسال وأمر عائشة لما حاضت ورأت التلبية بالحج ثم أمرها أن تغتسل المقصود ـ أنه صلى الله عليه وسلم - أمر النفساء والحائض بالاغتسال عند الإحرام وهو سنة للجميع ولو كان لا يقع الحدث في الحائض حتى تنتهي لكنه فيه النظافة والنشاط وعائشة رضي الله عنها لما وصلت مكة مهلة بالعمرة نزل بها الحيض قبل أن تطوف وتسعى فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وأن تلبي بالحج مع العمرة فصارت قارنة رضي الله عنها ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم من الحليفة ملبياً وسار معه المسلمون يلبون لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك حتى وصل مكة يوم الأحد الثاني ليس الأحد الذي أحرم فيه النبي صلى الله عليه وسلم وصل مكة صباح يوم الأحد ونزل بذي طوى في ضواحي مكة وصلى بها الفجر عليه الصلاة والسلام، وبات بها عليه الصلاة والسلام واغتسل فيها أيضاً قبل أن يدخل مكة وهو أفضل قبل أن يدخل مكة إذا تيسر يغتسل هذا إذا تيسر وليس بلازم ثم لما اغتسل دخل مكة صلى الله عليه وسلم وطاف مساء يوم الأحد الرابع لذي الحجة عام عشر من الهجرة طاف وسعى وبقي على إحرامه لأنه قارن ومعه الهدي فلم يحل إلا يوم النحر عليه الصلاة والسلام
وأما الصحابة الذين معه فمن كان معه الهدي فعل فعله طاف وسعى وبقي على إحرامه ولم يحل إلا يوم النحر وأما الذين ليس معهم هدي وقد لبوا بالحج أو بالحج والعمرة جميعا فإنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يجعلوه عمرة وأن يفسخوا إحرامهم بالحج وبالحج عمرة إلى الإفراد أمرهم أن يجعلوها عمرة مفردة فطافوا وسعوا وقصروا وحلو بأمره عليه الصلاة والسلام ومن كان معه الهدي بقي على إحرامه مع النبي صلى الله عليه وسلم هذه سيرة دخوله مكة عليه الصلاة والسلام وسيره من ذي الحليفة إلى أن وصل مكة عليه الصلاة والسلام على هذا النحو والمسلمون تابعوه في ذلك عليه الصلاة والسلام
واحتجوا بعمله هذا على ما ذكر من الجمهور لأنه صلى الله عليه وسلم مشرع ومبين للناس ولأنه قال للناس خذوا عني مناسككم وهذا هو المشروع كما ذكرنا عنه عليه الصلاة والسلام ويأتي بيان بقية أعماله صلى الله عليه وسلم لما توجه إلى منى وتوجه المسلمون يأتي في حلقات أخرى - إن شاء الله

** الاستماع إلى المحاضرة