دعاء الرسول والاستغاثة به محاضرة لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز

المحاضرة مفرغة : 

 
نسمع الكثير من الحجاج وغيرهم إذا دخلوا المسجد النبوي نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله يا رسول الله أتيتك من بلاد كذا وكذا فاشفي مريضي واقضي حاجتي وارزقني وأقضي حاجتي وارزقني كذا وكذا إلى آخره فما هو توجيه سماحتكم لهؤلاء أعزكم الله؟ من برنامج نور على الدرب برنامج يومي من إذاعة القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية يجيب أصحاب الفضيلة العلماء على أسئلة المستمعين
 

الزيارة للمسجد النبوي سنة وقربة وطاعة ويشد لها الرحال لقوله صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى فهذه الثلاثة مساجد هي أفضل مساجد الدنيا ولهذا شرع الله الرحال لها للعبادة في المسجد الحرام للحج والعمرة والصلاة فيه والاعتكاف والمسجد النبوي للصلاة فيه والقراءة والذكر والاعتكاف والتعلم والتعليم كما في المسجد الحرام لكن يختص المسجد الحرام بالطواف لأن الله شرع الطواف به ويقصد بأداء الحج والعمرة
أما المسجد النبوي فيقصد فيما يقصد به بقية المساجد من الصلاة فيه والقراءة فيه والذكر والاعتكاف ونحو ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا خير من ألف فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل في مسجدي هذا بمائة صلاة هذا فضل عظيم والسنة للزائر إذا زار المسجد أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه يقف على قبره وقبر صاحبيه ويسلم على الجميع عليه الصلاة والسلام ويقف أمام قبره الشريف ويقول السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق الجهاد فجزاك الله عن أمتك أفضل الجزاء وأحسنه - وإن اكتفى بالصلاة فقط لا بأس ثم يأخذ عن يمينه قليلاً فيسلم على الصديق يقول السلام عليك أيها الصديق ورحمة الله وبركاته جزاك الله عن أمة محمد خيراً ورضى الله عنك فلقد نصحت وأديت الأمانة ونحو ذلك وهكذا ينحرف قليل عن يمينه أيضاً ويسلم على عمر الفاروق رضي الله عنه كما سلم على الصديق ويدعو لهم أن يرضى الله عن الجميع هذا السنة
أما أن يناديه من قريب أو من بعيد يقول يا رسول الله أغثني أو اشفي مريضي أو جئتك من بلاد بعيدة لتشففني أو لتعطيني كذا أو كذا هذا هو الشرك الأكبر هذا لا يجوز لا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا مع غيره ولا مع الصديق ولا مع عمر ولا مع أي أحد من الناس لأن العبادة حق لله وحده والدعاء هو العبادة فلا يجوز سؤالك لغير الله كائناً من كان والأموات لا يسألون ولا يدعون ولا يستغاث بهم سواء كانوا من الأنبياء أو من غير الأنبياء
فالواجب إخلاص العبادة لله وحده كما قال الله سبحانه وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون قال سبحانه وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وقال سبحانه وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا وقوله أحد - نكرة في سياق النهي تعم الأنبياء وتعم الصالحين وتعم الأصنام والأشجار والملائكة وغير ذلك فلا تدعو مع الله أحد كائناً من كان
وهكذا قوله سبحانه ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين يعني المشركين وكل ما سوى الله لا ينفع غير الله فالله سبحانه هو النافع الضار وهو الذي يجعل المنفعة لمن يشاء ويسلبها ممن يشاء ويجعل المرض فيمن يشاء ويسلبه ممن يشاء هو سبحانه النافع الضار المعطي المانع القوي العزيز هو الذي يسأل ويطلب سبحانه وتعالى
فإذا جئت إلى الرسول للسلام عليه أو إلى أي مقبرته للسلام عليهم والدعاء لهم فأحذر أن تدعوهم مع الله لا تقل يا سيدي فلان اشفي مريضي واقضي حاجتي أو أنا في حسبك أو أنا في جوارك أو قد جئت قاصداً لك لتغفر لي وترحمني أو تشفي مريضي أو تسهل قربتي لا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا مع غيره - هذا حق الله سبحانه وتعالى ولكن تسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبه وترضى عنهما وتصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وتشهد له صلى الله عليه وسلم أنه بلغ الرسالة أدى الأمانة ونصح الأمة هذا حق - أما الزيادة على هذا بأن تقول يا رسول الله اشفع لي أو انصرني أو اشفي مريضي أو أنا في جوارك أو أنا في حسبك أو أنا مظلوم انصرني أو أمتك قد أصابها ما أصابها فأنصرها أو أشفها مما أصابها أو ما أشبه ذلك هذا لا يجوز هذا هو الشرك بالله سبحانه وتعالى - ولكن هذا كله من الله فاطلب في صلاتك في مسجد النبي وغيره قل يا رب انصرني يا رب أنصر أمة محمد يا رب وفقهم يا رب أجمع كلمتهم على الحق يا رب أرحمهم من شر أعدائهم يارب اغفر لي يارب اشفي مريضي هذا بينك وبين الله سبحانه وتعالى في المساجد في الصلاة في غير ذلك
أما المخلوق وإن كان نبي لا يملك هذا كله بإذن الله عز وجل - يقول الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم لما قنط مدة من الزمن يدعو على أحياء من العرب أنزل الله في حقه ليس  لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون
فالأمر لله سبحانه وتعالى هو الذي بيده الهداية والإضلال والضر والنفع والعطاء والمنع وغير ذلك كله بيده سبحانه وتعالى هو المالك لكل شيء والشفاعة حق لله سبحانه وتعالى قل لله الشفاعة جميعا والكل لله سبحانه وتعالى يعطيه من يشاء وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله يشفعه يوم القيامة ما في حاجة إلى أن تسأله أنت وهو في قبره إذا كان يوم القيامة إن كنت من أهل الجنة دخلت بشفاعته وكذلك يشفع لأهل الموقف ليقضي بينهم وأنت منهم فلا حاجة إلى أن تسأله هو - تسأل الله اللهم شفع في نبيك اللهم اجعلني من أهل شفاعته اللهم اجزه عنا خيراً، وما شابه ذلك
أما أن تطلبها من النبي صلى الله عليه وسلم - فلا أما في حياته فلا بأس بأن كان حياً بين الناس عليه الصلاة والسلام تقول يا رسول الله اشفع لي عند الله يهديني - أن الله يرزقني، كان يشفع لأصحابه ولما أصابه القحط والجد في بعض السنوات أتى بعضهم لديه وهو يخطب يوم الجمعة فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادعوا الله أن يغيثنا فرفع يديه عليه الصلاة والسلام وقال اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا فأنشأ الله السحاب ثم أمطر فخرج الناس في المطر ولم يزل المطر ينزل ولم ينقطع ثم جاء ذلك الرجل أو غير في جمعة أخرى وقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادعوا الله أن يمسكها عنا فرفع يده صلى الله علية وسلم وقال - اللهم حولينا لا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطن الأودية ومنابت الشجر - فانقشع السحاب وقف المطر عن المدينة وأجاب الله دعوته في الحال وذلك من علامات نبوته وأنه رسول الله حقاً عليه الصلاة والسلام - ففي حياته لا مانع أن يطلب منه أن يستغيث للمسلمين أن يشفع لهم
وهكذا يوم القيامة وهو بين أظهرهم يوم القيامة يتوجه إليه المؤمنون ويسألونه أن يشفع حتى يريح الله الناس من ذلك الموقف وحتى يقضي بينهم ثم يطلب الله أيضاً لهم للمؤمنين أن يدخلوا الجنة يشفع إلى الله أن يدخل أهل الجنة الجنة هذا حق جاءته به النصوص
أما وهو في قبره بعد البرزخ بعد ما مات عليه السلام فإنه لا يطلب منه شيء بل يصلي عليه، عليه الصلاة والسلام وتتبع سنته ويعظم أمره ونهيه

أما أن يسأل شفاء المرضى وقضاء الحاجات عند قبره أو في أي بلد هذا هو الذي لا يجوز هذا هو الشرك الأكبر الذي حرمه الله على عباده في قوله سبحانه إن الشرك لظلم عظيم وفي قوله عز وجل إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصارهم في قوله سبحانه ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون وفي قوله عز وجل إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
فالواجب على كل مكلف وعلى كل إنسان ان يتنبه إلى هذا الأمر سواء كان حاجاً أو غير حاج فليحذر الاستغاثة بالأنبياء أو بالصالحين أو بالملائكة أو بالجن في أي مكان - بل يجعل دعائه لله وحده فيخص ربه بالدعاء والاستغاثة ويلجأ إليه سبحانه ويسأله قضاء حاجاته وتفريج كروبه هو سبحانه القادر على كل شيء جل وعلا أما الأنبياء والملائكة والجن وسائر الخلق فليس في أيديهم شيء فالملك لله وحده هو المالك لكل شيء جل وعلا لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى - فاتقي الله يا عبد الله واحذر ما حرم الله عليك وانصح ممن معك من إخوانك وبين لهم ماشرع الله لهم في الحج وغيره وحذرهم مما حرم الله عليهم
وهكذا النساء يُعلمن ويوجهن إلى ما يرضي الله ويقرب لديه ويبين لهن أيضاً ما شرع الله لهن في الحج حتى يكون الجميع على بصيرة في حجهم وفي زيارتهم للمسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام

** الاستماع إلى المحاضرة